هذا الذي يحدث في شوارعنا، كيف نفسِّرُه؟ كيف نبرِّرُه؟ وكيف نعالجُه؟ الناس يقودون سياراتهم بالمغالبة. ليس في أذهانهم فيما يبدو أي قناعة بأدب الشراكة والمخالطة. إن بعضنا يبغي على بعض ونحن نقود سياراتنا. الحقيقة أننا خلطاء في كل الحالات. حين نكون في الشارع ونحن نقود سياراتنا أو نصفُّ في الطابور، أو نتنازع الحساب في السوبرماركت أو حتى نتنازع الكلام في الأماكن التي نتشارك فيها. نحن خلطاء في حياتنا كلها، وأنا أعجب من هذه الحالة العامة التي تتبدى في أخلاقنا وأحدنا يقبع وراء مقود سيارته كأنه في صراع مع الريح. هذه في الواقع مشكلة وهي في نظري أزمة في وعينا وفي طباعنا. كنت قبل أيام أقود سيارتي في الطريق السريع الذي يحيط جدة من الشرق، كان هناك ما يشبه الإحصار، انسد الطريق واكتظ بالسيارات على أثر حادث سير، وظللنا مثل السلاحف ما يقارب العشرين دقيقة في مسافة قصيرة، ثم (تعال شوف) بعد تجاوز منطقة الحادث، كيف عاد الناس إلى الاحتدام والهياج، كأنهم لم يروا شيئاً، ما هذا؟ إنهم لا يحذرون ولا يعتبرون. لماذا يحدث هذا؟ الذي أظنه أنَّ المسألة ليست مرتبطة بفهمنا للقانون أو أخلاقيات السير أو فهمنا للمخاطر التي تعنيها السرعة، أبداً، الأزمة في استجاباتنا الخاطئة لما نريد، إذا أراد أحدنا أن يتجاوز فالطريقة أن يزيد السرعة وإذا أراد أحدنا أن يعبر عن غضبه فالعصا هي أن يحقن محرك سيارته بجرعة بنزين زائدة، وإذا أراد أن يصل لوجهته عاجلاً فالطريقة أن يخبط في الشارع خبط عشواء لا يعبأ بأحد. هذه كلها استجابات غير حكيمة، ليست راشدة. هناك في ظني تفسير وتبرير وطريقة للعلاج. التفسير أننا في معضلة انغلاق على ذواتنا. تعصُّباتنا تكاد تنسحب على كل شيء لدرجة أننا لا نشعر بغيرنا ولا يعنينا حق الناس الذين يشاركوننا أن نحفظه لهم. نحن كل الناس فمن هم الناس؟ ينبغي أن تطوع الأخلاق نفسها لما نريده نحن وينبغي أن تزوي الجغرافيا نفسها لما نقصده نحن، التفسير هو أزمتنا مع الأنا، الأنا لدينا تعني أن ما نريده يعني أنه لا أولوية لما يريده الآخرون، أو أنه ينبغي أن يكون حقهم مؤخراً أو مؤجلاً. هذا التفسير ربما تفسره فكرة أخرى: أن نزعاتنا الطفولية محتدمة، ونحن نخطئ حين نظنّ الطفولة صفة أعمار، قد يظل أحدنا بطباع طفل في هيئة رجل. ومن أعجب صفات الأطفال انغلاقهم على مراداتهم وحاجاتهم وهو ما نلاحظه في أخلاقنا ونحن نقود سياراتنا في الغالب. ما هو التبرير إذن؟ أظنه في كون الثقافة لم تعمل على إعادة الصياغة، الثقافة متعينة في الواقع بهذه الطريقة التي نراها في جزئية (قيادة السيارات والتعاطي مع الطريق) وهي شديدة العدوان (أحياناً)، إنّها تستنسخ نفسها في إدراك الناس لمعنى القيادة ولطريقتها، فيشب الفتى فينا وذهنه مملوء بتصورات أنه ينبغي أن يقود سيارته كما تمليه عليه الثقافة السائدة المحيطة المستنسخة (بالمغالبة)، هذا غير أزمتنا مع تعصباتنا التي ذكرت قبل ومع طريقة استجاباتنا. الذي أظنه أن العلاج في الإيثار!