العلم ينير الطريق، ويحول خراب الجهل إلى بناء عظيم غير مهزوز، ويكشف أخطاء العادات ليضع تساهيل جديدة للبشر تجعل من الحياة أمراً ممكناً. فكل معلومة جديدة أنارت للمتعلم طريقاً هي حجة عليه لينير بها طريق من حوله، وليست هي منزلة يرتفع ويرتقي فيها لينتهي ضمن طبقة محصورة بالعلماء مهملة بشكل مقصود الاهتمام بمن هو دونها، فتجعل خلفها دائرة عملاقة مستقلة بالجهل متخبطة داخل إطار عاداتها وتصرفاتها غير المتجددة، فتنشأ هنا فجوة عملاقة بين العلم والجهل. ومع مرور الزمن يصبح الدافع الأول والأخير خلف عملية التحصيل هو الدرجات العلمية والشهادات الجامعية للوصول لتلك الطبقة، وليس ذلك النور الذي يبعث الإبداع والتطوير والبناء الإيجابي في المجتمع، فتضيف عملية التحصيل هنا أيضا وسيلة جديدة تزيد في تقسيم المجتمعات على ما هي عليه من طبقات؛ ليصل مرض التصنيف حتى بين العلماء أنفسهم وفي المجال نفسه. فالمتعلم عندنا بعد معاناة رحلة تحصيل العلم عطشان للتصفيق والمدح، رافضاً النقد وناكراً ومتعالياً على الطبقة الجاهلة التي ستلعب بسذاجتها دوراً كبيراً في تعظيمه؛ فهو في نظرهم المعجزة الذي كشف غيبيات الحياة، فيبدأ المجتمع هنا ببناء طبقتين واحدة فوق الأخرى. وفي النهاية أجبرنا العلم الحديث بالتأكيد على نظامه وطريقته، ولا بد منه بالطبع، لكن لا تتحول من خلاله الأهداف إلى صراعات قبلية بوجه آخر.