تبلغ نسبة معدل الشباب في المملكة العربية السعودية 60% من إجمالي عدد سكان لعام 2013 حسب مصلحة الإحصاء «29.994.272»، وبلغة بسيطة وبعيدة عن التنظير والتسطير نجد أن شباب اليوم بحاجة لأن يشعر بقيمته كإنسان حر له حرية التعبير، التجربة والاختيار. وأن العائق الوحيد الذي يشكل منعطفات كثيرة أمام الشباب هو عدم احترام شخصهم وجوهرهم من قبل المجتمع ابتداءً من تربية الوالدين إلى ما هو أبعد، بل تكاد سمة مجتمعية سلبية، يتناقل بعض منا بكثرة هذه السلبية ويعممها «إن الجيل القديم أفضل ومنتج ومسؤول أكثر من الجيل الحاضر». وهذا ما يسحب أي قدرة وموهبة ومهارة لدى هؤلاء الشباب. إذا كانت النظرة قاصرة من الأساس كيف لنا أن نطمح بأن يكون لدينا جيل واعٍ. ربما علينا كمجتمع أن يحاول مواكبة التقدم والتطور والإنجاز والإبداع. وأن يتعلم أساسيات مهمة في تاريخ البشرية. وهو احترام قيمة الإنسان. احترام آدميته وفكره ورأيه وتوجهاته الفكرية والاجتماعية والأسرية، إنسان حر بكل ما تعنيه الكلمة. نحن في مجتمعنا نخلط الأفكار وندّعي المثالية والثقافة التربوية ومع الأسف عقولنا فارغة من أهم الأشياء التي تعتبر هي الانطلاقة الأولى في معرفة قيمة الإنسان. ومتى ما وصلنا لمعرفة المبدأ الأول في الحياة التي أعطاها رب العباد للإنسان من قيمة، استطعنا أن نخاطب الإنسان بكل احترام وتقدير دون التقليل من شأنه. كثير منا يحاول أن يستفيد من طاقة الشباب، بعضهم ينجح وبعضهم لا. وهذا ما يجعلنا نكون صادقين مع أنفسنا وطرح السؤال هل طورنا أنفسنا بالاطلاع على احتياجات الإنسان الأساسية من الاحترام ومنح الفرصة وتوصيل الحب والمشاركة الحقيقية الوجدانية والتبادل الحسي المعنوي. والاقتناع بقيمة الإنسان وحريته، قولاً وفعلاً، وبناء الثقة وحسن الظن. إذا توفرت أساسيات قيمة الإنسان لدى المربين والمؤسسين والأساسين وآمنوا بهذه القيمة الإنسانية، هنا يستطيعون زرع كل تلك الفضائل في نفوس أبنائهم، طلابهم وشبابهم. الشباب يحتاج للغة جديدة مختلفة عن لغة التلقين والتوجيه، يحتاج إلى قدرتنا على التواصل الإنساني والوجداني وهذا ما يجعله يشعر بالأمان تجاهنا كما يشعر بأننا نقدره ونحترمه، حينها سنستطيع أن نحتويه. إذا تأملنا حال التطرف والتشدد التي تجتاح بعض الشباب أو من يعانون أحادية الرأي وجموداً في الفكر والمعرفة السطحية لقوانين الحياة وأبسطها الحب والتسامح وحسن الظن واحترام الآخر، وقدرتهم في بث سيطرتهم. وهذا ما يجعلنا أن تطرح سؤالا مهما «ما هو السر في قدرة المتطرفين السيطرة على عقلية الشباب ومسح ذاكرتهم وطموحهم وتوجهاتهم بهذه السهولة»؟ لماذا استطاعوا أن يبعثوا مجموعات من الشباب للقتل والذبح وتكفير الآخر بحجة الجهاد؟ هل لديهم عصى سحرية؟ هم اشتغلوا على الفكر والعقل وتلاعبوا بعطاء هؤلاء الشباب القيمة التي يبحثون عنها. فأوهموهم بأنهم رجال قادرون، ذوو سلطة ومكانة وقيمة وتصرف. ولكم أن تتخيلوا هؤلاء الشباب الذين كانوا يشعرون بالقمع من البوح والتحدث بأريحية وشعورهم بعدم الخوف. وهذا ما لم نستطع توفيره لهم، لكنهم وجدوه عند من يزودهم بسلاح الفكرة، ويجعله يشعر بأنه رجل ومسؤول هنا تنقلب الموازين. والأسوأ من ذلك هي تربيتنا لهؤلاء الشباب على القمع والسيطرة. لذا من الطبيعي سيبحثون عن قيمتهم في الخارج. كما أننا لم نعود شبابنا على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية وإن أعطيناهم فكان ذلك بالأمر والزجر. إذا هم متعودون على تنفيذ الأوامر، وهذا ما يسهل اقتيادهم. إننا اليوم بحاجة لتغيير أسلوبنا في التعامل مع الشباب وفتح باب التعبير عن الرأي والمشاركة الفعلية والحقيقية لهم في صناعة مستقبلهم، وأن نعودهم على اتخاذ القرار ونستمع لهم في المناقشة الفعلية، وهذا لن يأتي إلا من خلال احترام إنسانيتهم منذ الطفولة في البيت والمدرسة. والتركيز على غرس قيم الحب والعطاء لهم وأنهم أغلى ما نملك، ليس بالأهمال أو إشعارهم بالمهانة. بل من خلال تعليمهم على التفكير والمنطق والمعرفة والخبرة والتجربة يداً بيد. نجعلهم هم يتعلمون كيف يخططون ويتحملون الخطأ والصواب ونحن معهم، نعطيهم الفرصة في خوض تجربتهم دون تسلط منا. كما أنهم يحتاجون لمهارات التفكير. ومهارات اتخاذ القرار، والاعتماد على النفس. من هنا يبدأ التحصين ضد الفكر المتطرف أو الشاذ والمتسلط. حينها لن يستطيع أن يبرمجهم أي أحد كما يشاء، لأنهم باختصار عرفوا قيمتهم كبشر وعقل مفكر مستقل. شبابنا بحاجة لمزيد من الثقة والشعور بالاستقلالية منذ بداية سنواتهم الأولى في هذه الحياة.