بين الهواية وتحصيل الرزق يظل أهالي منطقة عسير أكثر غراماً وعشقاً بسلاح «الساكتون» فعلى الرغم من الخطورة التي قد تشكلها على مستخدمها ما لم يكن حاذقاً ومصوباً في أماكن محددة، إلا أن كثيراً من أهالي عسير يحملون هذا النوع من السلاح بغرض الصيد والتكسب.. وأفصحت لقاءات قامت بها «الشرق» مع عدد من الصيادين عن وجود حاجة ماسة لدى بعض ممن يستخدمها، إذ إنهم يتكسبون من ورائها، وإن كانوا لايتكسبون مالاً من بيعها، إلا أنهم يتخذونها طعاماً يومياً في غالب الأحيان. وإذا كان إبراهيم يصطاد ليأكل، فهذا لايعني أن بقية الصيادين هم على نفس هذا المنوال، فربما استخدمه بعضهم كنوع من أنواع المتعة عندما يحظون بعشاء فاخر مساء كل أربعاء مع الأصدقاء وبعض المرافقين. ويشتهر عديد من أصحاب المناطق الجبلية أو الصحراوية بالمملكة بالصيد المستمر للحيوانات والأرانب والطيور بسلاح «الساكتون» الناري المتخصص في القنص والرحلات البرية لأصحاب البر أو الجبال والذي يختلف من حيث أشكاله وأنواعه. فهي تختلف من ناحية الجودة والمميزات ومن ناحية بلد الصنع وغير ذلك. ويُعتبر كثير من الصيادين أن موهبة الصيد منحة خلقها الله له لمزاولة مهنته المعتادة بالصيد والقنص، فيما يرى البعض أنها مسألة وراثية من الأجداد الذين كانوا يوفرون أكلهم من خلال الصيد، يتداولها جيلاً بعد جيل. ويلاحظ أن عديداً من أصحاب هذه المهنة لايكاد يخرج من منزله إلا وسلاح الساكتون بحوزته للصيد في أي وقت، ويصطحب معه الأصدقاء أو الأقارب لتناول وجبة الغداء أو العشاء مما يقتنصه من هذا الصيد، فيقدر بعضهم الأشخاص الموجودين معه ليزيد في الصيد، ومن ثم تقطيعها وطبخها على حسب الأشخاص، ويفضل بعضهم الأرانب والطيور أثناء الصيد لما تملكه من نكهة رائعة ولذه في الطعم. ويملك هؤلاء الصيادون قدرة عالية في النظر وامتلاك سرعة البديهة والاحترافية العالية جداً في ممارساتهم، فبعض مراحل الصيد ينتابها نوع من الخطورة أحياناً نظراً لمنع بعض الممتلكين لتلك الأماكن سواء في قرى أو غيرها للصيد، ويعدونها جريمة لأن الصيد ممنوع بنظر الأغلبية ويعاقب عليه القانون. إبراهيم ناصر عسيري قال: نحن لانستعمل إلا سلاح الساكتون الناري الذي صنع خصيصاً للصيد. وقال: هذا أفضل الأسلحة المتوافرة، لما يملكه من دقة في التصويب، وكذلك فهو سلاح مميز في سهولة التنقل به وممارسة الصيد والقنص. وعدَّد عسيري أنواع السلاح بقوله: توجد عدة أنواع له مثل البرونو الأحمر دون نقش، و برونو أحمر زناد مكشوف بنقش، وبرونو شقرا دون نقش، وبرونو خشب منقوش بمنظار… وقال: إن كل هذه الأنواع تختلف من ناحية الجودة والمميزات، ومن ناحية بلد الصنع وغيرها، ويمكن للعارفين التمييز بين هذه الأنواع بكل سهولة، نظراً لما تشتهر به من ميزات محددة. وتابع عسيري قائلاً: أصيد منذ كنت يافعاً، وعمري الآن 35 عاماً، وأنا دائماً أخرج من منزلي وكلي تفاؤل بألا أعود للمنزل إلا بأكبر عدد من الأرانب أو الطيور لتناول وجبة العشاء مع الأهل، ودون حاجة للبقالة أو المطعم، فنحن نصيد بمجهودنا الخاص، ومن صيدنا نأكل فهي عادة نعرفها منذ نعومة أظافرنا، فآباؤنا وأجدادنا من قبلنا قاموا بتعليمنا على حب الصيد وإتقانه. متسائلاً: لماذا نأكل من البقالات أو المطاعم مادام رزقنا وفيراً وطيباً. حاسماً القول: لانأكل إلا مما نصيد». وعدَّد عايض عسيري سلاح الساكتون الناري بطريقة أخرى قائلاً: هذا السلاح له عدة أنواع أفضلها الخرازي، فصناعته ألمانية ودرجة أولى وأفضل الرصاص هو العادي ودون انفجار لعملية الصيد ولايشوه اللحم. وقال: هناك أنواع أخرى تشيكية وصناعات أخرى، لكن الخرازي أفضلها. أما عن الأسعار فقال إنها لاتقل عن 2000 ريال. وأضاف: عندما أخرج أنا وأصداقائي للصيد أشعر بأنني أمارس موهبتي التي منحني الله إياها، فالصيد موهبة لايجيدها إلا أصحاب الحاجة، فنحن محتاجون ولكن عندما نصيد نوفر لأهلنا الأكل. وعن معاناته في هذه المهنة قال: أنا أخرج من منزلي أحياناً من الصباح الباكر ولاأعود إلا قبل العشاء. مشيراً إلى أن هذه المهنة لاتختلف عن غيرها في بذل المجهود والوقت والمعاناة، فالساعات الطوال التي نقضيها في الصيد ليست قليلة، وربما أطول من كثير من المهن. وعن الطيور التي يفضلها قال عسيري: أفضل طيور الصمان التي يوجد لها نكهة رائعة وطعم لذيذ، مشيراً إلى أن اصطياد كمية وافرة منها يعني أننا نستمتع بعشاء فاخر. وربط محمد الألمعي بين طعم الحياة ولذتها وبين مهنة الصيد. مؤكداً أن من لايعرف معنى الصيد ومغامراته فهو لن يعيش طعم الحياة. وأضاف: أنا أستخدم الساكتون نوع «البرونو» صناعة تشيكية. مبرراً استخدامه لهذا النوع بأنه يمتلك الدقة والجودة العالية في التصويب، وقال: بعض الأحيان يكون معي منظار لتقريب المصيدة، فنحن كأشخاص عاشقين للصيد لانرى أنفسنا من دونها. وتابع الألمعي قائلاً: أنا أتكلم عن منطقتنا الجبلية في رجال ألمع، التي يكثر فيها حيوان الوبر والأرانب، وينتشر الشباب منذ الصباح الباكر لممارسة هواياتهم في القنص والصيد. أما المناطق الجبلية فتكثر بها طيور الصمان إضافة إلى الوبر التي يعشقها أهل المنطقة، مؤكداً أن هذه المهنة تجمع بين الاحترافية في الصيد والمهارة، وبين الاستمتاع بما نقوم به، وقال: تمثل هذه المتعة اجتماعنا كل ليلة أربعاء لتناول ما اصطدناه من الوجبات الدسمة. أما محمد صالح عسيري فلاحظ إقبال فئة من الشباب على هذه الأسلحة. وقال: هناك إقبال كبير من الشباب لشراء أسلحة الساكتون. وأضاف: لايكاد يمر أسبوع إلا ونلاحظ عددا من الشباب الجدد من حولنا، أو يفاوضون باعة هذا السلاح. مشيراً إلى وجود حركة كبيرة وإقبال لافت. وأضاف قائلاً: لانعلم كيف يشترونها أو أين تباع، فكما نعرف أن الأسلحة النارية ممنوعة مالم تكن مصرحة، فلانجد أماكن لبيعها نهائياً، ولو كانت توجد لرأيت معظم المنازل بأسلحة فيها ساكتون وقنص. مؤكداً أن سبب ذلك هو إبداع أهل منطقة عسير في استخدامها، وحبهم الكبير للصيد والقنص. وأضاف: يلاحظ أن الكبير والصغير يحب هذه الهواية ويتمنى أن يمارسها، لكن لوجود التقنين في عدم امتلاك هذا السلاح هو الذي يحول بين الاستخدام العشوائي له. من جهته ذكر المتحدث الرسمي لشرطة منطقة عسير المقدم عبدالله شعثان أن الأسلحة النارية عموماً تنظيمها واحد، وخاصة أسلحة الصيد. وقال: لو نعود للهيئة العليا لحماية الحياة الفطرية فأعتقد أنه لايوجد هناك نظام يسمح باستخدام الأسلحة النارية. وأضاف شعثان قائلاً: جميع الأسلحة لها ضوابط في الاقتناء ويحظر تماماً استخدامها مالم تكن تحت ضوابط وزارة الداخلية، وتوجد هناك تعليمات وأنظمة تنظم هذا الأمر، فالسلاح الناري سواءً كان ساكتون أو غيره ينطبق عليه النظام مثل جميع الأسلحة، ولذلك فأي نوع من أنواع هذه الأسلحة، مالم يكن خاضعا للضوابط أو أن الشخص لايملك له تصريحا أو رخصة من الجهات الأمنية، فسوف تطبق بحقه التعليمات والأنظمة ويُعد مخالفاً».