صيد الطيور هواية قديمة مارسها الكبار والصغار منذ مئات السنين، ومع رقي الشعوب وبناء المدن ودخول الحضارات، استمرت هذه الهواية، ولقد ساهمت التطورات الحديثة في الصناعات والالكترونيات والتقنيات المختلفة في تسهيل عمليات الصيد مثل المنظار «الدربيل» وأجهزة الملاحة «القارمن» والهواتف اللاسلكية «الكنود». وأصبح لهذه الهواية الكثير من العشاق والمتلهفين وخصوصاً من فئة الشباب الذين يتشوقون بممارستها في البراري والقفار، ويعد يوم الثلاثاء الماضي 24 أغسطس من أهم الأيام التي كان يترقبها الصيادون، كونه بداية وفرة الصيد تزامناً مع خروج موسم «الكليبين» (نواء النثرة)، ودخول موسم «سهيل» (الخريف)، الذي تعبر مع حلوله الطيور المهاجرة فوق الجزيرة العربية من الشمال إلى الجنوب، وأخذت المواقع المهتمة بصيد الطيور البرية في شبكة الانترنت في تناقل أخبار قدوم الموسم، كما شهدت محلات بيع أدوات الصيد والرحلات البرية في أول أيام رمضان ازدحاما من قبل الهواة للتزود بكافة المستلزمات الخاصة بصيد الطيور، استعداداً لممارسة هوايتهم وخصوصاً في إجازة عيد الفطر. «الرياض» رافقت الصيادين خلال ممارسة هذه الهواية، وجالت في عالم الصيد والتقت مع مجموعة منهم للتعرف على طبيعة حياتهم في البر وطرق الصيد وأدواته، وأنواع الطيور التي يقتفى أثرها القناصة. صيد جائر للحمام القميري تعتمد على الشمس يقول "عبد المجيد الحسين": إن هجرة الطيور أمر فطري وهبه الله عز وجل لها لتحافظ على فصائلها بطريقة دقيقة ومنتظمة، حيث تبدأ هجرتها قدوماً من أوروبا وإيران وروسيا وباكستان وكازاخستان وبعض مناطق البحر الأبيض المتوسط ووسط آسيا وجزر الكناري، وأحياناً من شمال غربي أفريقيا مروراً بجمهورية مصر والعراق إلى أن تصل إلى المملكة مروراً بالساحل ثم الشمال والمناطق الوسطى وبعضا من أنحاء المملكة، مضيفاً أن الطيور تعتمد في هجرتها على الشمس كبوصلة خلال النهار وتسافر ليلاً وتحدد اتجاهها من خلال مواقع النجوم، كما تعتمد على أدمغتها التي تحتوي على زجاج مغناطيسي يمكَنها من تحديد أماكن تواجدها، مشيراً إلى أن هجرة الطيور تبدأ في (11 أغسطس) الذي صادف الأول من رمضان وتستمر حتى (3 يناير) الموافق 27 محرم 1432ه. مجموعة من الصفاري حصيلة الصيد أنواع الطيور ويعدد "حمود السلامة" وهو أحد الصيادين أنواع الطيور المهاجرة في المملكة والتي تحظى باهتمام ورصد من قبل هواة الصيد، كطيور "الدخل" و"الشول" و"الغرانيق" وحمام "الصفاري" المتميز بريشه الأصفر والأسود، إلى جانب "السمان الفري" و"الكرك الأكحل" و"الشيوخ" و"حمام القميري" الذي يتميز بخطوط بيضاء وسوداء على جانبي عنقه وذيل أسود بحافة بيضاء في نهايته مع بطن يتلون بالوردي والأبيض، حيث يتميز بصوته الحسن ومنظره الجميل وهو من أكثر الطيور شهرة وأفضلها طعماً لدى هواة الصيد، وكذلك "البط النحم" و"الكروان" و"الحباري" و"الدرجلان". شعاب وفياض وعن أماكن ووفرة أنواع الطيور المهاجرة أوضح "خالد العثمان" أن الطيور تكثر في الشعاب والفياض التي تنمو فيها أشجار "الطلح" و"السدر" سواء في المزارع أو البراري، مضيفاً أن مدينة "تمير" (شمال مدينة الرياض 140 كلم) تعد مقصداً لهواة الصيد والقناصة لمرور الطيور المهاجرة بمختلف أنواعها عليها، مما ساهم بشكل كبير في انتشار هذه الهواية المحببة لدى الكثير من أهلها وأيضاً لشهرتها بكثرة الفياض والشعاب، ولتميزها بسحر الطبيعة وخصوصاً في فصل الربيع حتى اشتهرت في المنطقة الوسطى باسم (عروس الربيع)، لافتاً إلى أنه من بين البراري القريبة من مدينة "تمير" شعيب "الشوكي" و"الأرطاوي" و"الأعصل" وشعيب "غليفص" وروضة "الخشم" وسد "الشحمة" و"تمرية". حمام الصفاري أسلحة وأدوات وأشار "عبد الله الريس" وهو أحد المتخصصين في بيع أدوات الصيد والرحلات البرية إلى أن الاستعداد لتوفير متطلبات الصيادين وأدوات الصيد تم قبل رمضان بشهرين، موضحاً أنهم سعوا إلى توفير بعض القطع الأساسية للرحلات مثل أنواع الرصاص الخاص بالبنادق الهوائية والذي يعد من أكثر احتياجات الصيادين، بالإضافة إلى قطع الغيار المتنوعة لأسلحة الصيد وتجهيزات البر المتنوعة ك"الرواق" وثلاجات الماء وحافظات الطيور وأجهزة "الملاحة"، وكذلك شباك الصيد المخصصة للطيور الصغيرة مثل "الدخل"، مشيراً إلى أن أسعار أدوات الصيد ترتفع خلال الموسم لكثرة الطلب وبسبب احتكار بعض المحلات لنوعيات خاصة هي من تصنيعها وإنتاجها، مؤكداً أن أسعار تجهيزات الصيد مبالغ فيها رغم انتشار المحلات وارتفاع حدة التنافس بينهما، وعن أنواع الأسلحة المستخدمة في الصيد قال "الريس": يستخدم السكاكين بأنواعها والبنادق الهوائية "الساكتون" و"الشوزن" و"أم خمس" و"النص"، حيث تتراوح أسعارها من الألف ريال إلى التسعة آلاف ريال حسب نوع السلاح، ويستخدم مع تلك الأسلحة أنواع ومسميات عديدة من الرصاص ك"البراونق" و"أبو غزال" ويتراوح سعر الرصاصة الواحدة من 4 إلى 6 ريالات. مع طلوع الشمس ويحكي "بندر القديري" عن وقت رحلته في الصيد فيقول: غالباً ننطلق بصحبة مجموعة من الأصدقاء وقت المساء ونبيت بالقرب من أحد الشعاب ومع طلوع الشمس نتوزع على شكل مجموعات للبحث عن طيور الصيد، ونتواصل مع بعضنا عبر جهاز الإرسال "الكنود"، حيث يقوم من وجد صيداً بإعطاء إشارة للمجموعة ليتم التجمع من خلال الإحداثيات عن طريق جهاز "القارمن"، موضحاً أن هواة الصيد يفضلون طبخ الطيور مع كبسة الأرز أو الشوي على "الصاج" أو لفها ب"القصدير" ووضعها على الجمر، لافتاً أنهم يلتقون مع مغيب الشمس في إحدى الأماكن المرتفعة ذات الهواء الطلق، والشرع في تجهيز طعام العشاء، بعدها تبدأ أحاديث المساء ونتبادل أطراف الكلام عن يوم الصيد والتفاؤل بيوم جديد عند الخلود إلى النوم. أخلاق الصيد ويشدد شقيقه "حمد" على الصيادين الالتزام بأخلاقيات الصيد كالمحافظة على نظافة الأماكن ورمي مخلفات الطيور بعيداً عن الأنظار، وعدم تكسير أغصان الأشجار أو حرقها، مضيفاً أن من أخلاقيات الصياد عدم صيد الطيور من باب العبث والتسلية، والابتعاد عن المكان الذي يصل إليه الآخرون وعدم مضايقتهم أو إزعاجهم بدوي الطلقات النارية، مشيراً إلى أنه يجب على كل صياد مد يد العون والمساعدة في الأوقات العصيبة والحرجة إلى أي شخص يتعرض لبعض المخاطر والصعوبات كإلاصابة بالسلاح دون قصد، أو انقطاع الوقود في رحلات الصيد الطويلة، أو الأعطال الميكانيكية التي تصاحب تلك الرحلات وعدم توفر الماء والطعام. استئجار مزرعة ويرى "خالد الراشد" وهو أحد هواة الصيد أن التنقل بين الأودية والشعاب للبحث عن الطيور مع ارتفاع درجة الحرارة يزيد من شدة العناء والجوع والعطش، خصوصاً في أوقات الصيام، لذا فهو يحرص كل عام مع مجموعة من أصدقائه على استئجار مزرعة مع بداية موسم هجرة الطيور وحتى نهايته، مبيناً أن المزرعة تجذب أنواع الطيور لوجود الماء والخضرة، كما أن وجودهم في المزرعة يريحهم من عناء التنقل بين الأودية للبحث عن الطيور، مشيراً إلى أنه من الطرق الجديدة اللي يستخدمها في المزرعة هي تشغيل أشرطة "كاسيت" مسجلة عليها أصوات بعض الطيور خاصة السمان والكروان لجذب أسراب الطيور المهاجرة في محيط المزرعة، وقد أثبتت الطريقة فاعليتها مما أدى إلى استخدامها على نطاق واسع بين هواة الصيد.