مَن ينظُر إلى واقع حالنا في الوقت الراهن يجزمُ أن هُناك بوادر خلاف بين الأطياف، ويجزمُ أن ثمة احتقاناً وغيوماً سوداء تلوح في الأفق، وحراكاً لا يمتُ ل..«اللُحمة الوطنية» بصلة..! بل إن الغالبية تعالت أصواتهم تجاه المُعادين لهم «من وجهة نظرهم»، المُخالفين لرأيهم، مُتخذين من سياسة أحادية الرأي والتسلّط الفكري، وإقصاء الآخر أساليب، وأسلحة يتعاملون بها مع الغير، عدا الأمور الأُخرى الأكثر «فتاكة» والأكثر إيلاماً، مُتناسين، ومُتجاهلين القيمة الوطنية، والحس الوطني، والالتفاف حول بعضنا بعضاً في الأزمات وغيرها، وألا نكون ممّن ينشرون غسيلهم صباح مساء وعبر كافة المنابر الإعلامية في الداخل والخارج ناهيك عن وسائل التواصل الاجتماعي، التي فتحت لهم أبواباً واسعة الأفق، نيرانها مسمومة، وأسهمها خارقة، فاستغلوها الاستغلال «الأسوأ» تجاه أبناء جلدتهم..! ومع الأسف هُناك من جنّد عشرات الفتيان للذهاب إلى «الجحيم» عبر هذه المنابر، مخالفين شرع الله، وطاعة ولاة الأمر، همهم وجُلّ تفكيرهم زرع الفتن، وإشغال الأمة بأمور تهدم ولا تبني، تُخرّب، وتُفسِدُ وتُؤخر ولا تُقدّم .. هؤلاء (أصحاب الفتن) استمرأوا العيش في الطرقات المظلمة ويعشقون القنوات المُتعرّجة، تجدهم لا يبيتون ليلهم دون تخطيط، وتمحيص لما ستؤول عليه دُنياهم غداً، هي أفراح بالنسبة لهم، عشقهم للدمار جعل احتفالاتهم مُتكررة أعقاب كُل وجع لأمتنا ووطننا وعزنا وكرامتنا.. احتفالاتهم مُتكررة أعقاب سفك دماء المسلمين هنا وهناك، وتشريد الأطفال وترميل النساء، يتلذذون بالعيش في مجتمع يُسمع فيه العويل والصياح ويتلذذون بمناظر الفقر والجوع لهؤلاء المُشردين، حياتهم بدأت هكذا وترعرعوا على أياد شيطانية لم تتوقف على مدى السنوات الماضية، كانت بذورهم نشطة فلا نفع معها حرث ولا تبديل (عملية إصلاح) في سياسة لعل وعسى، بل إن الحّل الجذري يكمن في قطع الأعناق، واستبدال التُربة من جديد.. ليكون الثمر صالحاً للاستعمال.! تذكرت حالنا في وقتنا الراهن، وعُدت للوراء عشرات السنين (أيام التسعينيات) وكيف كانت البذور المُنغمسة في الثمانينيات تأتي ثمارها من قبلهم في جعل المُجتمع ينحدر نحو الهاوية، رغم محاولات بعض المسؤولين والمثٌقفين والكُتّاب مُعالجة الأمور بالطُرق السلمية، وبالحوار، ولكن معهم مع الأسف لا ينفع حوار ولا جدال..! فتجد لهم الحيل الواحدة تلو الأُخرى لسلك الطُرق المؤدية إلى تنفيذ مخططاتهم، وتحقيق أهدافهم بالطرق الملتوية وبالأساليب المُتعرجة سواء قبلها المجتمع أم لم يقبلها فهم مُستمرون في أدلجة هذه الأُمة دون ملل أو كلل..! قبل فترة تلقيتُ دعوة كريمة من اتحاد الكتّاب في دولة الإمارات العربية المتحدة لإقامة أُمسية في أبوظبي عن المغفور له الدكتور غازي القصيبي، وبعد المُقدمة والحديث عن حياته وكُتبه وشعره ورواياته وكيف أنه من نوابغ هذا الزمان توقفت كثيراً عند كتابة (حتى لا تكون فتنة) حيث دارت نزاعات فكرية ثقافية بين الدكتور غازي (رحمه الله) ومجموعة من الصحويين في أواسط التسعينيات، حولها الصحويون من اختلافات إلى خلافات، ووصلوا فيها إلى مراحل متقدمة من الطعن عبر منابر وأشرطة، وغيرها وبحكمته ونباهته ورجاحة عقلة لم يرد عليهم بالمثل، فقد كانت مصلحة الأُمة والوطن فوق الجميع، وهذا هو غازي رحمه الله وهذه ميزة العقلاء والعارفين ببواطن الأمور، الدارسين لواقع أصحاب الفتن ومآربهم فلا يجعلُ لهم نافذة للنيل من لحمة الوطن، وتشتيت المُجتمع، فيتبعون سياسة التجاهل، والحكمة في معالجة الأمر واتخاذ أساليب الحوار الهادئ لكسر شوكة هؤلاء، فأصدر كتابه حينذاك (حتى لا تكون فتنة) وهو بمنزلة رسالة يوجهها إلى هؤلاء ممّن جعلوا أنفسهم خصوماً له، بينما هم خصوم للمجتمع برمته، رغم أن تاريخهم كان قد بدأ قبل ذلك بعشرات السنين حين أصدر ديوانه الشعري (معركة بلا راية 1970م) فذهبوا جماعات إلى الملك فيصل رحمه الله آنذاك الذي تعامل مع موقفهم بحكمة وعقلانية ولم يستعجل الحكم ورد كيدهم في نحورهم ولكنهم لم يتوقفوا ولن يتوقفوا فهذا ديدنهم منذ خلق الله الأرض والسموات إلى أن تقوم الساعة ولن يُجدي معهم لا حوار ولا جدال..!!