في عام 1997 صدر كتاب البروفيسورة إيلاين آرون ( highly sensitive person the) وهو كتاب علمي نفسي مفيد، قام على إحصائية قامت بها آرون وخرجت منها بأن 20% من الشعب هم من الأشخاص ذوي الحساسية العالية، أي أن واحداً من كل 5 يتصف بهذه الصفة. الشخص مفرط الحساسية هم ممن نسميهم في المملكة بأصحاب (النفسية) نقصد بذلك الذم والإشارة إلى ضعف هؤلاء الأشخاص وصعوبة التعامل معهم، إلا أننا نخطئ عندما نسطح القضية بهذه الصورة. الحساسية العالية كما هو واضح من الإحصائية ليست بمرض لأن خُمس الناس يتصف معها، وهي نمط من أنماط الشخصية الإنسانية الطبيعية، كما أن هذه الحساسية موجودة في بعض الحيوانات دون بعضها الآخر. حسناً ليست مرضاً، فما هي إذن؟ الحساسية المفرطة لا تعني فقط المشاعر الداخلية بل تشمل الشعور الخارجي المادي بالأشياء. مفرط الحساسية هو من ينزعج انزعاجاً شديداً من الإضاءة القوية ولا يستطيع النوم إلا في الظلام الدامس. وإذا كنت مع أحدهم في غرفة فلا تغلق الباب بشدة هو غافل لأن ردة فعله قد لا تكون في حسبانك. حساسياتهم تجاه الأصوات العالية تكون في الغالب مفرطة وتفقدهم السيطرة على أنفسهم للحظات. هم ليسوا مرضى ولا (نفسية) كما نقول، كل ما في الأمور أن إحساسهم بما يرون ويسمعون ويشمون ويلمسون أعلى وأقوى وأعنف من غيرهم. هم يتلذذون بالطعام والشراب والملذات أكثر من غيرهم ويتألمون أيضاً أكثر من غيرهم. عندما يفتقر الشخص مفرط الحساسية للمعرفة بحال نفسه، فقد يميل للانعزال عن الناس عند أدنى احتكاك وللشعور بأنه وحيد في هذا العالم، والقضية بطبيعة الحال ليست كذلك. كل ما في الأمر أن حواسهم الخمس قوية ومتضخمة بحيث تزدحم في الدماغ تلك المشاعر فيضطر الإنسان مفرط الحساسية للتوقف والانزواء بين فينة وأخرى لكي يلتقط أنفاسه جراء ذلك الضغط الذي مارسته عليه حواسه. في غالب الأحيان يكون مفرط الحساسية مبدعاً في عمله وميالاً للكمال – الميل للكمال في كل شيء قد يكون مشكلة – وهم أيضاً من أكثر الناس جهداً في العمل ويشعرون برغبة دائمة في تحقيق الإنجازات التي تسبب لهم الشعور العميق بالرضا عن النفس. هل هذا يجعلهم أفضل وأكثر أخلاقية؟ تقول دراسة آرون إن إحساسهم بمآسي المصابين أسرع وبالتالي كان يُفترض أن يكونوا أول المبادرين للمساعدة، لكن الواقع أنهم غير متميزين في هذا الجانب، فقد يوجد من يكون أقل حساسية وأكثر مساعدة للمصابين بالكوارث. عرفت الآن – عزيزي القارئ – صفات الإنسان مفرط الحساسية، ولا بد أنك قد عرفت إن كنت أنت منهم أم لا، وعرفت أيضاً أن ابنك، أو تلميذك إن كنت معلِّماً الذي يصفه زملاؤه بأنه (نفسية) ليس بنفسية ولا يحزنون، وإنما هو شخص تعمل حواسه بشكل أقوى وبالتالي هو الأقرب للإنجاز والإبداع والعلم. وإن كان كل هذا لا يجعله أفضل من غيره من الناحية الأخلاقية. بعد أن عرفت هذه التفاصيل، فلا بد أنك سترتاح وتطمئن على نفسك إن كنت منهم، وستكون أكثر تفهماً لهم إن لم تكن منهم.