يبدو أن التاريخ مليء بالمبالغات والمغالطات والأخبار المكذوبة، وأنَّ كثيراً من الأحداث والروايات التاريخية نمررها كما جاءت، مع أننا لو توقفنا عندها قليلاً لوجدنا صعوبة في تصديقها لمجافاتها للعقل والمنطق والدين، والمشكلة آتية من أنَّ هذه الأحداث قد تُبنَى عليها الأحكامُ، وتُتَخذُ منها معاييرُ السلوك، وتُستلهَمُ منها العظاتُ والعبر، ففي التسعينيات الميلادية نشب جدل فكري عنيف بين اثنين من المفكرين، فكانا بين ناقم على العباسيين إلى درجة السخرية، وراض إلى درجة العصمة، فالأول نقل عن أحمد أمين أن الرشيد لديه ألفان من الجواري، وكذلك نقل عن المسعودي أن المتوكل لديه 4 آلاف جارية، وكان يقول ساخراً : إن الرشيد لديه 2000 جارية أو 4000 جارية في رواية أخرى، وكان يبكي من خشية الله، وأنا لو أعطوني جارية واحدة لقتلت نفسي من خشية الله. لكن الثاني لم يوافق على هذا الرأي – ومعه الحق في ذلك، فماذا سيفعل بكل هذا العدد من الجواري وقد أُثِرَ عنه أنه كان يغزو عاماً ويحج عاما- وكان يرى أن خلفاء بني العباس لم يكونوا يختلفون كثيراً عن الخلفاء الراشدين من حيث تصرفهم ببيت مال المسلمين أو معاملتهم للرعية!، متهماً أحمد أمين بالكذب، كما قال عن الأخبار التي ذكرها المؤرخون عن ترف الخلفاء العباسيين وإسرافهم بأنها غير صحيحة أو هي مبالغات لا يعتد بها. كذلك نقل عن بعض المؤرخين أنهم عندما يذكرون الخلفاء العباسيين في كتبهم يقولون (صلى الله عليه وسلم)، وقد جئت بهذا المثال للتدليل على ما دأب عليه بعضُ المؤرخين من المبالغة في القدح أو المدح، فإما أن يكون الشخص عندهم خيراً كله أو شراً كله، ولا يمكن له في عرفهم أن يجمع بين الخير والشر، ولذلك كانت أحكامهم حَديَّة، بين الحب والكره، والرفض والقبول، والإيمان والكفر، ومن النادر أن تجد مؤرخاً يقول عن أحد إنه قد أصاب في كذا، وأخطأ في كذا، فكانوا كما قال الشاعر: ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر. كما أن بعضاً من الذين يتحدثون عن السبي في الإسلام، يفخرون به كما لو كان شيئاً مقدساً لا عرفاً شائعاً قبل الإسلام معمولاً به في جميع الديانات السماوية، وليس عدلاً أن يمارس بحق المسلمين ثم يُحرَم المسلمون من ممارسته بحق غيرهم، بيد أنه حين جاء الإسلام عمل على تنظيمه بما يقلل من آثاره النفسية إلى أقصى حد ممكن، ولست أدري إذا كان السبي مشروعاً على سبيل المعاملة بالمثل، فهل سيبقى على مشروعيته إذا اتفقت كل أمم الدنيا على تجريمه؟، خصوصاً أن بعض الجهلة صار يتلذذ بتعذيب الآخرين، وفرض سيطرته عليهم، ويريد أن يسبي بمناسبة وبغير مناسبة، والمضحك أنه يدَّعي أن الناس بعد هذا العمل سيدخلون في دين الله أفواجاً!، كما فعلت داعش مع الأيزيديين قبل أيام، عندما أحدثت مجزرة في ديارهم ثم قالت للناس: إن المئات من الأيزيديين قد دخلوا في الإسلام!، مع أن كلَ فتاةٍ تُسبَى وراءها قصة طويلة من العذاب والنهب وسفك الدماء، ولا بُدَّ أن زوجها أو أباها أو أحداً من إخوانها قد قُتِل، إضافة إلى ما يتزامن مع هذه العملية في العادة من الحرق والهدم والتخريب والمشاهد المرعبة، ولا يمكن لأحد أن يُصدِقَ أن إنساناً يُقتَلُ أهلُه وتُسبَى نساؤه وتُشرَّد أسرتُه وتُبادُ جماعتُه ثم يدخل بعد ذلك كله في دين من فعل ذلك عن رغبة واختيار، إلا أن يكون مجنوناً، وإنَّ كثيراً من الأشياء لن تكون واضحة ما بقيت حبيسة كتب التاريخ وسير الماضي، ولن يستبينها الناس بجلاء ما دامت في إطارها النظري، لكنها حين تتحول من النظرية إلى التطبيق تكون مفاجئة إلى درجة الصدمة، والظاهر أن المناصرين لداعش من التكفيريين القعدية حين شعروا أن المتعاطفين مع داعش رفضوا هذا العمل خَشَوا على شعبيتها، فاختلقوا هذا الادعاء ليبرروا للناس جهود داعش في خدمة نشر الإسلام!، غير أنه لا يمكن لعاقل أن يتعامل مع هذا الخبر بشكل جاد، وسيعتبره نوعاً من الهزل الداعشي المسلي الذي لا يضر أحداً ولا يصدقه أحد ولا البغدادي نفسه!.