وكما يقولون إن الإنسان عدو ما يجهل، فقد كانت هذه الكلمات مهترئة قبل أن أكتبها بمنطق مختلف، تسمع الرياح هنا وهناك كما كوخ الفقير الذي نظن بأنه خالٍ من أبجديات الحياة فليس سوى الماء والدقيق وما عداها فهو زائل بالحتمية. كنت أظن بأنني سأكتب لهم لأصف حالهم بأسلوب يرقِّقُ القلوب إليهم، فوجدت بأنني أكتب عن صورة نمطية كانت هي الحديث ومنبع الأسئلة في كل وقت. بدأ الخيال كعادته يبحث عن تلك الصورة، إلى أن وصل إلى ذكرى عجوز مستند على ساعديه ليلقى ربه بأضعف صورة خلقه عليها كان مبتسماً، لا أعلم لماذا؟ وكان السؤال الذي يدور في ذهني كيف لفقيرٍ أن يبتسم وغيره من الأسئلة التي في ظاهرها أسواطٌ لجلد المنطق حتى يعوج لنخرج من سياقه، وباطنها رحمة مهداةٌ إلى هؤلاء الفقراء. إن الحديث يطول وخلصتُ بأن الشاذ لا يعتد به وبدأت أبحث من جديد عن الفقراء الذين التقيت بهم فكانت النتيجة متقاربة تزيد وتنقص ولا يظهرُ من بينِ فُرجِها إلا الفرح. هنا أصبحت فكرة الفرح ظنَّاً والظن قد يكون حقيقة إن لم يستول عليه الشيطان، لكن إن أردت أن تأتي الحقيقة من بابها فلابد وأن تخالطهم وتجلس في مجالسهم وتسألهم عن كل هذا؟ لتستفيق على عجب وكل العجب بأن تجد معظهم غاضباً من النظرة المجتمعية للفقير وصاحبه والسائر إلى طريق الفقر فهذه النظرة قد جمعت الضِّدين وكيف يجتمعان، فقد تجد الرحمة والكبر في ذات اللحظة لأن النظرة العميقة عن الفقر قد تبدو جلية على السطح محاولةً الظهور بينما تحاول الرحمة المفطورة في الإنسان السوي كبت جماح هذه النظرة، هذه النظرة كانت مزعجة إلى حد كبير وكأنهم لم يُخلقوا في أحسن تقويم ولا فرق بين غني ولا فقير إلا بالتقوى. هنا تذكرت مقولة العقاد «بأن أكثر الانقلابات العظيمة تمت على أيدي الفقراء لأنهم الفئة التي ترغب دائماً بتبديل ما هي عليه» فهم بلا شك أيضاً يريدون أن ينقلبوا على منطق فتك بكرامتهم وأرداهم قتلى الأَنفة في ساحة تئنُ بالأغنياء. إن أول فعل يستحق الاحترام هو أن تكسر النمط السائد تجاهك وأن تجعل التنميط شيئاً صعباً لمن يحاول ذلك، لذلك فقد اجتمعوا مشيرين إلى خلل في تكوين المنطق العام عند المجتمع، وبدأوا بسرد مبررات لتعديل المنطق فوجدوا بأنهم كسروا أساليب المنطق وخرجوا عن حدوده واستحدثوا أشياء دون مسميات، وبالتالي فقد ارتكبوا أول فعل في منظومة التغيير فهم فقراء ويبتسمون.