الكاتب ذلك الشخص الذي وقع أسير قلمه مسؤول أمام الكلمة والرأي والتحليل، لذا فهو يجيد كتابة الأحداث ويقدر معاني الكلمات والمواقف الإنسانية. وفي كثير من الأحيان يتحدث عما يفكر فيه فيعكس تفكيره النفسي والعميق في تصوره الأحداث، وهنا تكمن العبقرية في توسيع الفكرة الأدبية والمنطقية التي قد توصله إلى أن يصبح فيلسوفاً عظيماً. لكل كاتب ساعة إلهام.. وتوارُد خواطر وخيال يأخذه فوق كثبان رملية فيغرق فيها ويغرس قلمه في الرمال أو يفقده فيها، وطالما أنه يكتب ويصل صدى كلماته إلى جمهوره فهو بذلك يقوم بإيصال رسالة جريئة تعكس موقفه الأخلاقي وتفسيره المنغم لمعاني الكلمات، وقد يُغرقك أيضاً بإحساسه المرهف. وقد يضخم من حجم المواقف بأسلوب انتقامي يثأر من خلاله فتتقاذف القنابل الكلامية التي من شأنها أن تفتح باب جهنم للأقاويل وتُنسج الأحداث والحوادث التي من المتوقع أن تحدث. بينما لو فكرنا فيها ملياً وحاولنا حلها في الواقع لوجدنا أنه موضوع لا يجب مناقشته بل إغلاقه لأن المتسبب في إشعال الفتيل لم يرمِ برأيه إلا لكي يبدأ في تنفيذ الفكرة الانتقامية، وفي ضوء هذا الاشتعال هو سار وثار، فالكتابة أمانة في عنق كاتبها ومهنة من الصعب تجاوزها، لذا هو يعيش في صراع مع الحبر والورق ليدرك أحوال الناس وثقافاتهم وتفكيرهم ولا يتجاهلها لأنه يقدم غذاء فكرياً وثراء ثقافياً لا جدلاً عقيماً أو حقداً دفيناً يكشف عن ساعديه. وبما أن الكاتب يكتب رأيه كما يراه هو لا كما يراه الناس فمن حقهم عليه أن يمتاز بروح شفافة تتقبل القبيح قبل الجميل، ومن حقه عليهم أن لا ينصب نقدهم إلا لمصلحة الكتابة لا ذات الكاتب، وبذلك تسمو الكلمات عندما يكون الرُّقي من أجلها ويكون الرأي مناراً يُستضاء به.. وإلا فالعدول عن الكتابة أعدل لأن التزمت بالرأي لكل منهم لن يفتح تلك الآفاق الواسعة من العلم والثقافة وتبادل الفكر بينهم، وإلا أصبح شاطئ المعرفة لا مد فيه ولا جزر، ولأصبح كل من الكاتب والقارئ في قوقعة من صدف.