ما الفرق بين الكاتب والصحفي؟ سأحاول أن أجيب عن تساؤلي بما يقنعني ويرضيني قليلا، كلاهما كاتب ولكل منهما قلمه وأسلوبه، وكلاهما مثقفان أيضا، فبمجرد احتضانهما للقلم يصبحان بلا شك من أعلام الثقافة الورقية والإلكترونية، ولهما وجهتهما وأسلوبهما الكتابي في أي موضوع من مواضيع الحياة، لكن الفرق يكمن في المضمون والمعنى حول ما يكتبه الاثنان. فالصحفي هو الذي ينقل الأخبار التي شهدها بصورة متكاملة وواضحة إلى القارئ. أما الكاتب فيكون له وجهتان، إما كاتب مقال أدبي يلامس الذات بسبب ميوله القصصي والروائي، ونادرا ما يكتب عن مشاكل العصر وهموم الناس، إلا إذا شعر ببركان يشتعل بداخله، فبطريقة لا إرادية يغير وجهته وطريقته في الكتابة لإخماد غيظه. فقد يثيره الخبر الذي نشره الصحفي عن قصور في إحدى الوزارات أو الدوائر الحكومية أو مشاكل واحتدامات بين مسوؤلين أو حتى عنف أسري، فيثير حنقه وينفجر قلمه بثورة حبرٍ ساخطة، فيتوجه للكتابة التي تلامس واقعا ملموسا يشهده على الساحة، يكتب دون توقف دون أن يسمح لأفكاره أن تتوارد كما في المقال الأدبي والنثري، فالفكرة مطبوخة في رأسه ساهم على تبهيرها الصحفي الذي كتب الخبر وما على الكاتب إلا طبخها على نار عالية، فليس هناك وقت ولابد من استوائها؛ كي تقدم في اليوم التالي كمقبلات بعد الحدث محترقة ورائحة القهر والحنق تفوح منها. وقد يكتب عن تغير وجمال لامسه في مجتمعه، فيسمو بقلمه متفاخرا بما رآه فيرسم في صفحاته ربيعا مزهرا متباهيا يختال ضاحكا، ليتضح بأن الكاتب لا يكتب إلا لسببين بلونين متناقضين. فتكمن المشكلة في مجتمعنا الذي لا يفرق بين مهمة الاثنين. فالصحافة تعدّ وظيفة ولها راتب كما في باقي الوظائف، أما الكاتب فلا تعدّ كتاباته في الصحف أو حتى في زاوية تخصه بمنزلة وظيفة، بل كهواية غالبا أوتنفيس أو رغبة ذاتية في تفريغ علب أحباره الممتلئة بزوبعة كلمات معاتبة؛ كي تبقى كلوحة فسيفساء خالدة في الأذهان، ويدفع له مكافأة زهيدة كعربون مودة وليست ثمنا لأتعابه الحبرية؛ لأنه وباختصار خُلق ليكتب لا أن يوضع في دائرة ضيقة تكبت قلمه الناطق وكلماته المستنجدة، ففرقوا بين الاثنين كيلا نرتكب جرما بحقهما الكتابي. "مخرج" للحروف قلوب تصرخ فتستنجد الكاتب كي تفرغ.. وللأحداث عيون تبكي فتستنجد الصحفي كي يوثق..!