قد تكون إسرائيل في غاراتها على قطاع غزة وقصفها الكثيف والعشوائي للمواطنين العزَّل قد حققت نصراً عسكرياً، لكن يقيني أنها قد خسرت المعركة «سياسياً» ولصالح أطفال غزة وساكنيها الأبرياء العزل. فمنظر القتلى من الأطفال والنساء وكبار السن والأشلاء المتطايرة لأجساد أبناء غزة، قد نقل للعالم أجمع وللدول المتعاطفة مع الصهاينة والداعمة لهم كذب ادعاءات إسرائيل عن تمدُّنها وعن رغبتها في التطبيع والتعايش بسلام مع جيرانها العرب. لقد أضحى جلياً للعالم المتحضر أن الصهاينة الذين يفاخرون عبر إعلامهم بأنهم الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، إنما هم ينطلقون من ادعاءات كاذبة فهم يمثلون كياناً فاشياً بنزعة تدميرية متعطشة للدماء. إن التاريخ لا يرحم، بل هو السجل الحي والقائم ضد ادعاءات أيقونات الزيف وأكاذيب المغرضين، فاليهود الذين كانوا يدعون أنهم قد دفعوا آلاف الضحايا في محارق ومذابح جماعية -الهولوكست- في إبان الحرب العالمية الثانية، قد أثبتوا لنا وللعالم أجمع أنهم أكثر دموية من نازية هتلر ورايخه الثالث، بل إنهم هم عرَّابو المذابح التي وجهت للعرب وجرائم القتل الجماعي، ولا يزال عالقاً في الذاكرة ما جرى من اليهود بحق ساكني مخيمات صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في أعقاب اجتياح المجرم شارون في عام 1982م لبنان وممارسة الجيش الإسرائيلي تصفيات جسدية بحقهم، وكذلك في حرب إسرائيل على لبنان في عام 2006م التي تعطينا دليلاً حياً وواقعياً على شهوة اليهود للقتل وتسرُّعهم لإراقة الدماء. مهما حاولت إسرائيل أن تجد مبررات للخروج من حالة الحرج السياسي الذي تواجه به الشعوب المتحضرة، فإن ذلك لن يعفيها من جرائمها. فأكاذيبها وادعاءاتها عن محاولتها حماية نفسها ضد اعتداءات حماس، هو أمر لا يعطيها مبرراً لقتل الأطفال وتشويه أجسادهم الغضة ولا القضاء على النساء والشيوخ الأبرياء العزل وتدمير البنى التحتية في غزة التي هي في الأصل متهالكة ولا تكاد توفر مكاناً جيداً لإقامة هؤلاء البسطاء المساكين. إن كانت إسرائيل خلال السنوات الماضية قد استطاعت من خلال أكاذيبها التي تمررها عبر الإعلام العالمي والموجَّه عن رغبتها في التعايش مع العرب في سلام، قد استطاعت أن تستميل إليها بعض المغرَّر بهم من ليبراليِّي العالم العربي، فإن هذا الاستهداف الإجرامي والممنهج لغزة أرضاً وإنساناً، يعطي كل متعاطف من بني العروبة مع الصهاينة وأطروحاتهم عن التعايش دليلاً بيناً وواضحاً، أن الصهيونية التي قامت على أشلاء العرب في حرب فلسطين 1948م ومثَّلت بأسرى الجيوش العربية عقب نكسة 1967م، هي كيان مخادع ولا يلتزم بأي اتفاقات دولية يوقعها مع أي طرف، فهو كيان قام على الدم ولا يعترف بغير لغة الدم. رحم الله الشهداء من أبناء غزة وفتياتها اللواتي تساقطن كالزهور على آلة القمع الإسرائيلية وصار يقيناً لمن كان يتشكك في أن إسرائيل هي جارة عدوة، بأن الصهاينة هم حقيقة العدو الأول للمواطن العربي ولكل ما هو إنساني.