تقع غزة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ويبلغ عدد سكانها المليون ونصف المليون محشورين في مساحة ضئيلة لا تتجاوز (45) كيلو متراً مربعاً لتصبح بذلك من أكثر مدن العالم ازدحاماً في نسبة المساحة على عدد السكان وتعتبر غزة ما قبل عام 1948م من أكبر أقضية فلسطين ابتداءً من جنوب يافا إلى الحدود المصرية. غزة تحت الحصار.. جوع وخوف ومرض، وموت لأطفال، وشيوخ، ونساء تتضور من شدة الجوع، واقتصاد منهك، وشلل في الحياة وموت بطئ لأكثر من مليون ونصف المليون نسمة. حتى الكهرباء منع الاحتلال اليهودي الوقود عنها، فتوقف كل شيء حتى غرف العناية المركزة في المستشفيات. غزة والانفجار، مئات الألوف عبروا الحدود في اتجاه رفح المصرية والعريش، بحثاً عن المواد الغذائية والتموينية والدواء والكساء وشراء الضرورات التي حرموا منها. كانت للعلماء كلمتهم وللدعاة إلى الله وقفتهم مع الشعب الفلسطيني المحاصر، فكان القنوط في الصلوات بفك الحصار والثبات والتثبيت والنصر والدعم، وصدحت منابر الجمعة بالدعوة لفك الحصار واستنصار ونصرة أبناء غزة، وتفاعلت الجماهير مع العلماء وكان حصار غزة حديث كل بيت، فمن يشاهد الظلام الذي ضرب القطاع، والأطفال يئنون من شدة الجوع والبرد والمرض في العناية الفائقة على شفا الموت يدرك خطورة الموقف ومطالبة للدول الإسلامية بالتحرك للنجدة والنصرة في مواجهة احتلال لا يعرف معنى للإنسانية ولا في قلب متجبريه ذرة من رحمة. لقد كان للمملكة العربية السعودية ووقفتها القوية وقرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتكثيف المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني والتحرك على كافة الأصعدة لفك الحصار وفتح المعابر وانسحاب الجيش اليهودي من غزة، وتقديم العون لأبناء القطاع، وكان لعلماء المملكة ودعاتها ومفكريها وقفتهم بجانب إخوانهم المحاصرين بمد يد العون والمساعدة من خلال القنوات الرسمية والدعاء وشحذ الهمم والصدع بكلمة الحق، ونصرة المظلوم، ودعم أبناء الرباط. إن الكيان الصهيوني يمارس العربدة وقد أخذ الضوء الأخضر من أمريكا ليفعل ما يريد ويرتكب من مجازر وهذا الحصار والقتل والتدمير يكشف حقيقة الصهاينة وأغراضهم ومخططاتهم. إن ما يمارس على أبناء غزة من تجويع وحصار وقتل وتدمير وتشريد لا يرضى به أي إنسان مهما كان دينه أو قوميته أو صفته لأن المحتل اليهودي يريد أن يفرغ فلسطين من أهلها بمخططاته الإجرامية والشعب الفلسطيني يستبشر خيراً رغم شدة المنحنة وقوتها، وسوف تنقلب إلى منحة إن شاء الله، وسوف تستيقظ الشعوب وتحصل على حقوقها مهما كان الأمر ومهما تبددت الطاقات ونحن ننتظر النصر المنشود بإذن الله. إن ما يحدث في غزة مؤلم جداً فلا يمكن السكوت عليه، لذا نطالب بتحرك الأمة لكسر هذا الحصار في العديد من الاتجاهات إقليمياً ودولياً طالما تمتلك الدول العربية والإسلامية أوراقاً للضغط على المؤسسات الدولية لفك الحصار الظالم ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم المقهور. إن ما يعانيه إخواننا الفلسطينيون في قطاع غزة أمر محزن ومؤسف عدم التحرك لنصرة إخواننا في القطاع وفي كافة الأراضي الفلسطينية بكل أمر مقدور عليه، ولذلك نطالب الدول الإسلامية باتخاذ موقف موحد لرفع الحصار ووقف القتل والتدمير والمذابح عن غزة وعدم الاستجابة لأي ضغوط. وقد قامت مظاهرات التأييد والنصرة للشعب الفلسطيني في كل دول العالم تدين الحصار على غزة واليهود للفلسطينيين، أطفالاً ونساءً وشيوخاً كما فعلوا في دير ياسين وفي كثير من المواقع في فلسطين ولبنان سابقاً. ونحن بدورنا في المملكة العربية السعودية ندعو لنصرة الشعب الفلسطيني بكل السوائل المتاحة، سواء كان ذلك إعلامياً أو اقتصادياً، ونرى ضرورة المقاطعة الاقتصادية لكل دولة تدعم الكيان الصهيوني المجرم المغتصب أو تقف بجانبه، ونطالب كافة الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع إسرائيل بقطع علاقاتهم مباشرة، ودعم الشعب الفلسطيني وتناسي الخلافات فيما بينها والوحدة ولمّ الشمل في هذا المنعطف الخطير الذي تمر به أمتنا العربية والإسلامية. إن ما يحدث في غزة من حصار وإغلاق للمعابر وقتل وتدمير ومنع وصول المساعدات الإنسانية للمرضى والأطفال والنساء يعد من جرائم الحرب. تقول إسرائيل إنها شنت هجومها يوم 27/ 12/ 2008م لوضع نهاية دائمة للصواريخ وقذائف المورتر التي تطلقها حماس عبر الحدود على بلدات ومدن في جنوب إسرائيل، ولكن بعد أسبوعين من القتال لا تزال الصواريخ التي أطلق منها أكثر من (4000) منذ عام 2001م تسقط على إسرائيل حتى ولو كانت بأعداد أقل بكثير عما كانت عليه قبل أسبوعين. ولهذا فإنه إذا لم تستطع إسرائيل القضاء على حماس أو وقف إطلاق الصواريخ بشكل دائم، فما الذي يمكن أن تبرره عن (3) أسابيع من القتال الذي حصد أرواح ما يزيد عن 1005 فلسطينيين وجرح 5000 وقتل (23) يهودياً وعن الإدانة الدولية التي انهالت على الدولة العبرية ؟ ليس واضحاً أن المكاسب التكتيكية تستحق التكلفة السياسية والاستراتيجية التي ستتحملها إسرائيل. ونتساءل: هل ارتكبت إسرائيل حماقة وجنوناً بالدخول في حرب تتصاعد بشكل مطرد دون أن يكون لها هدف استراتيجي واضح أو على الأقل هدف تستطيع أن تحققه بشكل حقيقي. وربما تصف حماس نفسها بانها استطاعت رغم انها الطرف الأضعف أن تصمند أمام قوة الجيش اليهودي المزود بأحدث التكنولوجيا والمدعوم من الولاياتالمتحدةالأمريكية وتنال الثناء عن ذلك، ولكن بالنسبة لكل الفلسطينيين في غزة الذين يشعرون بالفخر تجاه المقاومة التي أبدتها حماس، فإن آخرين سوف ينظرون إلى المباني المدمرة والقبور الجديدة التي حفرت وآلاف المعوقين والجرحى من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويتساءلون عما إذا كان الامر يستحق ؟ وعلى الجانب الآخر كانت حماس ولا تزال موضع تقدير على نطاق واسع بسبب أعمالها الخيرية ونزاهتها وشجاعة المقاومين الصامدين ورجالها الأبطال الأفذاذ الصناديد والمؤمنين بالله وبالوطن والمصير المحتوم. كيف يمكننا أن نظل نتفرج على ما يحدث دون فعل أي شيء؟ إذ لا يمكننا أن نظل بكل بساطة نتابع اليهود والصهاينة وهم يقتلون الفلسطينيين دون رحمة.. دون أن نتصرف. إن معاناة أهالي غزة أمر لا يصدق، الوضع في غزة أشبه بالجحيم، اليهود والصهاينة يطلقون الصواريخ الفوسفورية على السكان حيث تقتل وتحرق الأطفال والنساء والشيوخ وهم في بيوتهم وتطلق كذلك صواريخ Derik الأمريكيةالجديدة الصنع لتجربة مفعولها من حيث تدمير المنازل والأبراج بضربة واحدة عن بعد على غزة وأهاليها. الحملة العسكرية اليهودية الصهيونية المدعومة من أمريكا وبوش المجرم والكونجرس بالتمام والكمال لم تحقق هدفها في وقف إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية الشجاعة فضلاً عما تلقاه إسرائيل من احتقار دولي من شعوب العالم قاطبة إلا من أمريكا في ظل ارتفاع عدد القتلى والجرحى من أطفال ونساء وشيوخ بغزة ولم تعط إسرائيل كبير اهتمام لاتهامات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو اتهامات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو اتهامات الأممالمتحدة لإسرائيل بإعاقة عمليات الإغاثة الإنسانية في غزة. بل إنها تجاهلت حتى قرار مجلس الأمن الذي دعاها لوقف إطلاق النار وأحد الأسباب المهمة لذلك هي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي الدولة الغربية الوحيدة القادرة على التأثير على القرار اليهودي الإسرائيلي، قررت في آخر لحظة الامتناع عن التصويت على قرار كانت أحد الأطراف التي أعدته ورغم أن إسرائيل توصف بأنها دولة تابعة لأمريكا التي تقدم لها معونات ضخمة - مالية وعسكرية وتأييد أعمى - فإنها فريدة من نوعها، إذ يمكنها أن تفعل ما تشاء دون أن تخشى ردة فعل معارضة من راعيها. وعلى أي شخص يعتقد أن الإدارة الأمريكية القادمة سوف تغير من نهجها تجاه إسرائيل أن يعلم أن وزيرة الخارجية الأمريكية المعينة هيلاري كلينتون حسب مواقفها السابقة ستكون أكثر دبلوماسية أمريكية تأييداً لإسرائيل لا يضاهيها في ذلك إلا رامي إيمانويل اليهودي الأمريكي رئيس مكتب الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما. إن خطة حماس بسحب مقاتليها من تخوم غزة وتمركز المقاومون في المناطق المكتظة بالسكان تهدف لدعوة الجيش اليهودي الصهيوني إلى معارك دموية أشد في داخل القطاع حيث ترى حماس أنها ستكبد القوات اليهودية الصهونية خسائر فادحة في اللحظة التي يتلقى الخسائر الفلسطينية صدى وغضباً واسعىاً في الشرق الأوسط وأوروبا. وأي تسوية سياسية للصراع بين إسرائيل مصر أو بوجود حماس ستكون غير مرضية لإسرائيل، فحماس سوف تبقى في السلطة بقطاع غزة وسوف تعلن نفسها منتصرة في الحرب ولن تفلح أي خطوات لمنع تهريب الأسلحة من جديد، وفي ظل مقتل ما يزيد عن 940 من الفلسطينيين وجرح ما يزيد عن 4600 من الأطفال والنساء والعجائر وارتفاع التكلفة السياسية أمام إسرائيل وحلفائها، فإن الحل السياسي يبقى أفضل من التصعيد العسكري من جديد، إذ لا مخرج سوى الحل السلمي، وعلى إدارة بوش التي لم تفعل شيئاً بشأن الأزمة المحتدمة حتى اللحظة سوى دعمها القرارات الإسرائيلية وتزويد إسرائيل بالعتاد الحربي الفتاك، عليها الضغط على إسرائيل كي تقبل تسوية سياسية قبل زوال بوش من الساحة السياسية الأمريكية في 20/ 1/ 2009م. إن الانفجار الحالي في غزة وتنامي التوترات في مناطق أخرى من العالم، وخاصة أفغانستان وباكستان والهند والقرن الأفريقي والعراق إلى إهمال الدبلوماسية في عهد جورج بوش لنزاعات كان ينبغي معالجتها بل التركيز المنطلق على ما يسمى الحرب على الارهاب إن إدارة بوش الصغير عززت قوة الحركات الإسلامية في العالم أجمع عبر السياسة التي انتهجتها والتي قامت على دعم خصوم تلك الحركات دون أن تقدم هذه الإدارة رؤية حقيقية لحل الصراعات التي تغذي ما تطلق عليه واشنطن «الغرهاب» وفي مقدمتها الصراع العربي - الإسرائيلي وإن القنابل لا تصنع اعتدالاً بل يجب الاحتكام على السياسة الأيديولوجية وتتحمل أيديولوجية المحاظفين الأمريكيين الجدد مسؤولية تأزم مناطق عدة بالعالم بما فيها غزة وتأثير الحرب الراهنة على يهود العالم وعلى وجه الخصوص يهود الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيباك، إن علامات انقسام في صفوف الجاليات اليهودية على ضوء التقتيل الجماعي والتدمير والتشريد الذي يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة. لقد أظهرت هذه الهجمة العدوانية الإجرامية الشرسة فشل المشروع الصهيوني وإفلاس قادة المحتل الذين استخدموا أقصى خياراتهم في القوة وأقصى بدائلهم في الإجرام وأوقعوا أكبر عدد من الشهداء وأكبر عدد من الجرحى وخلفوا دماراً بلا حدود، وهذا يكشف وهم السلام. المحتل سيهزم، والعاقبة للمتقين، ونصر الله آت. وهذا ما جاء من عند الله، والصراع لا يحسم إلا تحت راية الإيمان والصبر مع التضحيات والأمل في نصر الله، والدماء التي تسيل الآن في غزة تدافع عن قضية الأمة بأسرها. هذه الحرب المجنونة تبرهن أن إسرائيل دولة قامت على الدم والطغيان ومجزرة غزة أظهرت مقدار التلاحم بين أبناء الأمة الغسلامية في كل مكان. النصر قريب.. والفجر قادم بإذن الله. مديرعام وزارة التخطيط/ متقاعد فاكس 6658393