لا يكترث كثيراً ببروتوكولات المنصب وحرس المكتب الخاص وثناءات المرافقين والعابرين وحتى المطبلين.. جلّ اهتمامه «لغة الأرقام» وإحصاءات الشكاوى وتفاصيل الخطط وأدق تفصيلات المستقبل.. إنه الوزير عادل فقيه، الذي يتسلم حالياً دفة وزارتين بالتشريف والتكليف. ويحتضن أهم الوزارتين والأكثر اندماجاً وانغماساً مع متطبات الوطن والأعلى مواجهة مع «مجهر» الفساد والمخالفات.. وهما العمل والصحة. جاء عادل فقيه القادم من مكةالمكرمة سليل أسرة عاشت التجارة وعايشتها، ومن قوم يتنافسون في الدرجات العلمية ويتسابقون في المسؤوليات، فلامست ذهنيته التجارية بوابات جدة العلمية والتجارية، فقدم إليها مسكوناً بحب التجارة متسلحاً بالعلم باحثاً عن التخطيط، فدرس في جامعة الملك عبدالعزيز لينال منها بكالويوس الهندسة الصناعية. في جدة وحدها تتحد وتتواءم مخرجات العلم مع التجارة، فالمدينة مليئة بالتجار والمفكرين ورعيل بدايات الثورة الاقتصادية، وجيل فقيه وهو في الصف الثاني تاريخياً من أجيال «العباقرة» في جدة كان يبحث عن بصمات طويلة من الإنجازات، فنال فقيه عشرات العضويات في مجالس مناطق وهيئات متخصصة ولجان تطوير. وكان فقيه طيلة هذه السنوات حريصاً على متابعة دقيقة لكل ما يجري في الجهات، التي ينتسب إليها مشاركاً في اجتماعاتها فاعلاً في صناعة قراراتها، ومحققاً رقماً صعباً على طاولات اجتماعاتها. وترأس مجلس إدارة غرفة جدة فكانت له سيرة بيضاء مليئة بالإنجازات. وقد ترأس فقيه مجلس إدارة شركة «صافولا» فنقلها لمصارعة شركات عالمية وفازت ونالت السبق اقتصادياً بفعل تخطيط ورؤى فقيه الاستراتيجية. ثم عُين بعدها ليكون أميناً لجدة ليخرج المدينة من تركات طويلة من المخططات العشوائية ومن سوء التخطيط العمراني والمدني فتعامل مع ملفات كثيرة بفكر احترافي.. وفي وسط أزمة جدة مع السيول صدر الأمر الملكي بتعيين فقيه وزيراً للعمل فتوجه الوزير للرياض حاملاً حقيبته المليئة بالمواعيد والخطط والسيرة الثقيلة من الإنجازات.. ذهب للرياض وزيراً بسمات مهندس ورئيس شركة وقيادي منفرد، فلم يكن عابئاً بأتيكيت «المنصب» ووجاهته، فلم يعشق لغة التصاريح والمواكب والسكرتارية الخاصة، كان همه منحصراً في «الإنتاج الوزاري» فكان رجل دولة بفكر قيادي خاص. تولى وزارة العمل وحوَّلها لمنظومة وزارية تعمل بفكر استراتيجي، واجه العمالة المخالفة بقرارات مفصلية وأدت التستر وحاربت البطالة وردعت «التجار الباحثين عن الجشع»، وأسس برنامج «نطاقات» الذي أظهر فضائح «الشركات المتلاعبة»، وفتح خطوطاً طويلة من التوظيف وأصدر قرارات التأنيث، التي أغنت آلاف الأسر عن الحاجة، وفتحت البيوت وسدت ذرائع الاحتياج، ووضع أساساً لاستراتيجية الاستقدام وحلولاً واقعية لوقف طابور البطالة، وأسس منهجاً فريداً من منظومة فريق العمل الواحد حتى باتت «العمل» جوهرة متبلورة في صف الوزارات رغم صعوبة المرحلة والتعقيدات والتحديات. وفي إبريل العام الجاري كُلف الوزير فقيه بتولي دفة «الصحة» الوزارة الساخنة في وقت كانت الوزارة مليئة بتركة ثقيلة من الأزمات والأخطاء والمستجدات.. فرمى فقيه في اليوم التالي لتعيينه البشت وترك العقال والشماغ ليعلن مواجهة الفساد الإداري في المستشفيات قبل مطارحة فيروس «كورونا» وجال وصال لإنقاذ الميدان من الأخطاء كي ينقي الوزارة من شوائب الأخطاء والفساد والكساد.. فحوّل الوزارة إلى «خلية نحل» وأسس هيكلة جديدة في الوزارة التي كانت تسير بفكر بيروقراطي مكتبي عقيم ووظف فكر الجولات الميدانية، واستعان بقيادات من القطاع الخاص وبخبراء الشركات لمواجهة «كورونا» وصد هجمات كثيرة من الشكاوى والأخطاء وحوَّل الصحة ومديرياتها في المناطق لعمل موحد على مدار الساعة، وكان الجميع على طاولة واحدة.. وخلال ثلاثة أشهر فقط تمكن الوزير المنقذ من فرض أسلوب رائع من الإنقاذ، ومن الاستراتيجية في التعامل مع ملفات وزارة ثقيلة محققاً نجاحات مطردة في وقت قياسي أسوة بالتركة والأخطاء والتوقيت والتحديات.. كان ولا يزال عادل فقيه وزيراً منقذاً ومهندساً حقيقياً للتعامل مع المهمات الصعبة، وأنموذجاً فريداً في إدارة الأزمات..