من الطبيعي أننا نرى شباباً يقومون بالعمل التطوعي كتوزيع وجبات على العمال في الشارع أو ملابس أثناء فترة الشتاء أو تفطير صائم في الحرم المكي والنبوي الشريف وغيرها من المساجد، أو عند إشارات المرور في رمضان، كذلك عند قيامهم بجمع الفائض من الأطعمة من قاعات الأفراح وغيرها وتوزيعها على الجمعيات الخيرية. لكن الأمر اللافت هو اتجاه السيدات لهذا الجانب الحيوي، والبدء في السباق مع الحملات التطوعية المختلفة التي تختص بالجانب النسائي؛ حيث أكدت عديد ممن التقيناهن أنهن لا يسعين فقط للعمل التطوعي العادي، وإنما النجاح والتميز فيه من خلال ابتكار أفكار جديدة وبعضها غير متداول في المجالات التطوعية. البداية كانت مع فوزية الطوالة قائدة فريق (وطن متحد) قالت ل «الشرق»: انطلقت فكرة الاسم والفريق أيضا بعد صدور تعميم في المدرسة عن أفضل مشروع مواطنة نقدمه في اليوم الوطني، فتم تكوين الفريق من حوالي خمسين متطوعة من جميع فئات المجتمع. وتضيف الطوالة قائلة: لم أجد أجمل من تكوين فريق تطوعي أقدمه للوطن ولم أجد أجمل من اسم (وطن متحد) يهدف إلى تنمية الإحساس لدى المتطوع ومَن تُقدَّم له الخدمة (المواطن) بالانتماء والولاء للمجتمع، وتقوية الترابط الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة، الذي اهتز بعوامل التغير الاجتماعي والحضاري، ومن منطلق حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى». وحول رؤية ورسالة الفريق توضح قائدة الفريق ذلك بقولها: رؤيتنا «النهوض بالوطن وتلبية احتياجاته والاهتمام بالتنمية الشاملة عن طريق تأهيل الطالبة القادرة على العطاء والتفاعل مع الوطن وإعلاء قيمة المواطنة الروحية والإنسانية لديها وصولاً إلى تقدم وتطور المجتمع». أما عن رسالة الفريق فأوضحت الطوالة أنها إنشاء جيل واعٍ مثقف يحترم وطنه ويلم بثقافة دولته وتنمية التكافل الاجتماعي في الوطن. وحول أبرز الأعمال التطوعية التي قام بها الفريق ذكرت مجموعة أعمال منها زيارة مركز التأهيل الشامل، وتقديم هدايا لذوي الاحتياجات، وكذلك زيارة الأيتام، والإسهام مع الجمعية الخيرية في مهرجان اليتيم، وكذلك التطوع في برنامج الليلة الجنوبية الذي أعدته الجمعية الخيرية في الجبيل. وأيضاً تقديم وجبات غذائية لعمال الطرقات وفطور تطوعي بالتعاون مع صدى الجبيل لطالبات الثانوية الرابعة، وغيرها. وحول جهودهم في شهر رمضان قالت: قمنا بتوزيع كوبونات شراء وزعت على ثلاث دفعات كان المستفيد منها الأسر المحتاجة ولصالح ثماني أسر تقريباً في الجبيل، وكذلك حملة إفطار للمساجد في رمضان وتوزيع اللبن والتمر والماء على عدة مساجد، وأيضا وجبات سحور للعمال المسلمين في الجبيل تمت على مرحلتين، وقريباً يتم تجهيز أكياس قماشية تحتوي على شعار الفريق وتحتوي على التمر واللبن ومصاحف وأدعية ستوزع على خيمة إفطار في الجبيل. وقالت: لن يقف مجهود الفريق النسائي التطوعي في رمضان فقط بل سيستمر في العيد. مبينة أنه تم الاتفاق مع محلات سباركيز بتوفيرعيديات لأطفال الأسر المحتاجة، وسوف يتم الاتصال بهم وحصر الأطفال وتوفير بطاقات لعب في سباركيز، بالإضافة إلى هدايا من الفريق. وخلصت الطوالة إلى القول: عندما أقوم ببناء فريق فإني أبحث دائماً عن أناس يحبون الفوز، وليس فقط يقومون بعمل نمطي، وإذا لم أعثر على أي منهم فإنني أبحث عن أناس يكرهون الهزيمة. نورة العجمي ابتكرت طريقة جديدة للعمل التطوعي بجمع فائض الأطعمة هي ومجموعة من فتيات أسر متعففة، موضحة أن هناك توجهاً لتأسيس جمعية حفظ النعمة تستهدف الوقوف على أحوال الأسر المتعففة واحتياجاتها. مشيرة إلى أن إدراج البرامج والمبادرات التطوعية فيها برسالة ورؤية وأهداف تنطلق منها سعياً في عمارة الأرض بالخير ورغبة في تغيير حال أفراد الأسر الفقيرة إلى أفراد منتجين مستثمرين لما وهبهم الله من النعم وإعفافهم عن ذل السؤال والحاجة. وقالت العجمي: إن إحدى أكثر الصعوبات التي تواجهنا في العمل التطوعي هو الوصول لبعض الأماكن من الأحياء النائية والبعيدة، وأحياناً كثيرة يكون فيها مخاطر على المتطوعين. وأضافت: هناك حاجة ماسة لسرعة تسهيل بعض الإجراءات البيروقراطية والتواصل في الدوائر الحكومية والخاصة فيما يخص الأسر المتعففة مع الحاجة لمقر وسيارات لجمع الفائض. وأوضحت العجمي أن تأسيس فريق عمل تطوعي كانت بدايته من عضوات أحسبهن من أهل الخير إلى جانب عائلتي «أبنائي وبناتي»؛ حيث بدأ التنظيم للبرامج التطوعية والمبادرات في أعمال الخير المختلفة مثل زيارات دور الرعاية والمسنات والمستشفيات والوقوف على أحوال الأسر المتعففة، واحتياجاتها في الاستعداد لشهر رمضان ببرنامج خاص يتناسب مع احتياجات المسلمين في هذا الشهر مثل تسلم تفطير لبيت من بيوت الله طيلة الشهر الكريم، وأيضا خيمة خاصة بالعمالة المسلمة وتفطيرهم، والتجهيز والاستعداد للتفطير عند إشارات المرور، وأيضاً تفطير في الحرم المكي الشريف، بالإضافة إلى التنظيم المسبق للحملات الخاصة بالمواد الغذائية وانطلاقتها من الرياض للمناطق المحتاجة والأسر المتعففة. وقالت: هناك مثلاً حملة جازان وحملة حفر الباطن وحملة الحوطة وحملة الجيدة وحملة تهامة وحملة الجبعة وغيرها من الحملات في مناطق ومدن أخرى. أيضا الاهتمام بالسقيا والتفطير في بعض الدول الإسلامية الفقيرة والمنكوبة، والحرص على متابعة أحوال الأسر الفقيرة داخل الرياض وخارجها، وتلمس احتياجاتهم ومتابعة أهل الصدقات والزكوات وإيصالها لأهلها، والإسهام في تفريج كربات المتعففين، والترتيبات لكسوة العيد، والمشاركة في برامج فرحة العيد مع دور الأيتام والمرضى والمسنات. مؤكدة أن مثل هذه الأعمال تصقل مواهب المتطوعات وتجعلهن أكثر قدرة على العطاء والتفاعل مع المجتمع، وتأدية دور مهم ربما يغفل عنه البعض. من جانبها أوضحت سما بنت عبدالله الحارثي مؤسسة (مجموعة كلنا خير التطوعية) منذ قرابة العشر سنوات أن اتجاههم للعمل التطوعي هو سد لما تعجز عن القيام به بعض الجمعيات الخيرية أو الجهات المسؤولة في الخدمة الاجتماعية. وقال: تجربتنا في التطوع مغايرة عما تعودنا عليه هنا، فتطوعنا هو لرسالة هادفة ألا وهي الدعم المعنوي قبل المادي، وفعالياتنا التطوعية ترفيهية بالتثقيف، مشيرة إلى أنه ليس هناك فئة محددة يسعون لخدمتها. وقالت: نحن مع كل من يريد المساعدة. وأكدت الحارثي أن الدعم الكبير من قبل والديها وعائلتها وبالأخص أخوها ذلل أمامها كل الصعاب؛ حيث تعتبره الأمان والسند لها. مستدركة بقولها: لكن المجتمع – أو بعضاً من شرائحه – هو الصعوبة بحد ذاتها؛ نظراً لوجود من لديه ثقافة أن الفتاة مكانها المناسب البيت فقط؛ حيث إن العمل التطوعي لا يتناسب مع طبيعتها الأنثوية، فليتركوا هذا العناء والتعب للشباب والرجال فقط، وهي نظرة نحاول كسرها من خلال ما نقوم به. وحول مجموعة الفتيات والشباب الذين معها، وهي تدعوهم أبناءها الذين لم تنجبهم، فبينت أنهم حضروا واتحدوا على هدف واحد وهو أن يكونوا أسرة واحدة لهدف معين، مؤكدة أن هذا التعاون أثمر بنجاح عديد من الحملات التطوعية التي قاموا بها منذ سنوات وحتى الآن ناسبة هذا النجاح إلى الله -عز وجل- ثم إلى أهاليهم والدعم المتواصل لهم. وأكدت في الوقت ذاته أن عملهم أثمر عديداً من النجاحات التطوعية سواء في رمضان مثل المخيم الصيفي في مركز الأمير سلطان للخدمات المساندة ومؤن رمضان وكسوة العيد وغيرها من الأيام الأخرى، إضافة إلى زيارة المرضى في عدد من المستشفيات من خلال حملة (تؤجر لزيارتهم)، وكذلك الأعمال الأخرى خارج رمضان. وتوجه الحارثي عتابها لغياب القطاع الخاص الذي يغيب عن الأعمال التطوعية، وإذا وُجد فهو يكون بمزاجية رغم أن التكاليف غير باهظة، وتعزو ذلك نظراً لعشوائية العمل التطوعي. ومن جانب آخر قالت الحارثي: أصبح العمل التطوعي يُتخذ له منحىً آخر وتوجه بعيد كل البعد عن المسمى الصحيح للعمل التطوعي، وهذا يعود إلى المسؤول عن المجموعة التطوعية، فبعضهم لا يضع له رسالة أو هدفاً معين، وهذا يحدث مع الأسف لدى كثيرين؛ حيث أصبحوا يبحثون عن الشهرة الإعلامية والعلاقات الاجتماعية، وينسون تماماً الهدف الرئيس الذي أقيم من أجله العمل التطوعي. فهد بن محمد القحطاني مدير مركز التفاؤل للاستشارات الاجتماعية وإمام جامع قال ل «الشرق»: إن العمل التطوعي عمل غير ربحى، غير وظيفي/مهني، يقوم به الأفراد من أجل مساعدة وتنمية مستوى معيشة الآخرين، من جيرانهم أو أي تجمع سكاني أو مشروع بعينه. وقال: ديننا حث على ذلك من خلال قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، مؤكداً أنه لا يمكن نشر ثقافة التطوع إلا بحملات إعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية، كذلك المساجد وخطب الجمعة وفي المناهج الدراسية في التعليم العام، ووضع متطلب عند التخرج من الجامعة بأن يقوم الطالب بعدد ساعات تطوع كل بما يناسبه. وأضاف القحطاني قائلاً: من أسهل الأعمال التي يتساهل بها المجتمع التحفيز للعمل في مشاريع تفطير الصائمين، وخاصة أنها موسمية وفي كل حي أو جامع، ولكن هناك تقصير في تنمية روح التعاون وخدمة المجتمع مما سيكون له آثار سلبية عاجلة وآجلة. ويعتبر القحطاني التطوع من الأعمال الدائمة التي لا تحتاج إلى مواعيد دقيقة، مما يفتح الفرص أمام الجميع في المشاركة، وهي زيارة المرضى وتقديم الهدايا لهم وفي الأعياد. مشيداً بأداء العنصر النسائي في الأعمال التطوعية، باعتباره أكثر مشاركة وفاعلية، وذلك نظراً لبعدهن عن الضغوط الاجتماعية وثقافة الخجل والإحراج الذي يكون في أوساط الشباب في ظل غياب الموجه والمحفز عند الشباب وفي ظل غياب المبادرات من قبل وجهاء المجتمع في تفعيل التطوع.