لم أندهش من (الفيتوين) التوأم الذين لوّحت بهما الصين وروسيا في مجلس الأمن وسط ذهول ممثلي الدول الأعضاء الأخرى، والذي امتد ليعمّ العالم كلّه. لم ولن أرفع صوتي بالشجب والتنديد. لا لأني أراهما مصيبين في ممارستهما حق النقض، ولكن لأني مواطن عربي ذبحتني (الفيتوات) الأمريكية والغربية على مدى عقود، فلن يضرني أن يسلخني الروس والصينيون ب(الفيتوين) التوأم. هذا فعل متوقع من الكبار، لأن مجلس الأمن مجلسهم منذ ظهوره إلى الوجود، يستعرضون فيه عضلاتهم العسكرية والسياسية، ويتنافسون ويتصارعون فيه على اقتسام المصالح ومناطق النفوذ في العالم، عالم الصغار الذين ارتضوا لأنفسهم أن يظلوا صغارا، فإذا أمطرت السماء في بلاد الكبار رفعوا مظلاتهم وإن تكن بلدانهم ذوات سموات دائمة الصفاء. ما يؤلمني هو هوان الصغار، وارتضاؤهم لأنفسهم أن يكونوا صغارا إلى الأبد، وتبعيتهم للكبار، فإن غضب الكبار غضبوا، وإن شجب الكبار شجبوا، على طريقة(إذا غضبت عليك بنو تميم/ رأيت الناس كلهم غضابا)، وفي مجلس الأمن أكثر من (تميم)، مايعني أن التبعية دائمة ومتعددة، ولا خلاص منها، طالما أن الصغار يستمرئونها ويستعذبونها، وبطريقة تكاد تكون مازوشية. والقرارات التي تأتي في أعقاب قرارات الكبار لا تعني شيئا، سوى أنها آليات لترويج الوهم، ولدفع الحرج واللوم عن الذوات الواهمة والواهنة. إنني لا أرى فرقا، في المحصلة النهائية، بين الموقف الروسي الصيني تجاه المذبحة في سورية وبين الموقف الأمريكي، فأمريكا التي استبعدت التدخل العسكري في سورية على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ثم على لسان الرئيس باراك أوباما ، لا تختلف عن روسيا والصين في رفضهما قرارا يدين نظام بشار الأسد أو يدعو إلى تنحيه، أو يطالب بالتدخل العسكري لنصرة الشعب السوري بوضع حد للفظائع والجرائم التي يرتكبها جيش النظام السوري. يجتمع الفيتو مع استبعاد خيار التدخل ليعطيا الأسد الضوء الأخضر للمضي قدما في تنفيذ المذبحة، والتصعيد العسكري في حمص والزبداني منذ تلويح الدولتين الكبيرتين بالفيتو، على وجه الخصوص، أفضل دليل على أن الأسد السادي يشعر بالرضا عما حدث في مجلس الأمن، وعن التصريحات الأمريكية التي أعقبته، ولا يستدعي الأمر سوق البراهين للتدليل على أن الرضا عند الأسد بلغ ذروته عند زيارة سيرغي لافروف لدمشق، كما يعبر عن ذلك دفع آلاف من السوريين (الموالين) للنظام إلى الخروج إلى الشوارع لاستقبال وزير خارجية روسيا الحليفة والصديقة، التي حال اعتراضها في مجلس الأمن حتى دون احتمالية تحليق طائرات حلف النيتو أو طائرات غيره فوق رأس الأسد. سينام الأسد هادئ البال، قرير العين، فمن يناصره ومن يعارضه متساويان ومتشابهان، وإن تظاهر المعارضون بخلاف ذلك. والنيتو ذاته لا يبدو حريصا وتواقا إلى التحليق في سماوات المدن السورية، فليس في بلاد السوريين ما يغريه ويحرضه على الدفع بأساطيله البحرية والجوية لإنقاذهم من براثن الأسد، وتأتي حسابات أوباما الانتخابية، وحسابات أخرى بالتأكيد، لتضاعف الرغبة عن التدخل العسكري في (الشأن) السوري. السوريون لا بواكي لهم. وليس للسوريين سوى الله، وأنفسهم. وليس على الأفق بشائر تغيرات دراماتيكية في الموقف في سورية قد تفضي إلى انهيار نظام الأسد، والمؤتمرات العربية المتنوعة المتتابعة التي تعقد لمناقشة الأوضاع في سورية تأتي دائما متأخرة، ما يعطي آلة القتل الأسدية المزيد من الوقت لحصد المزيد من الأرواح والرمي بالكثيرين في حضن التشوه والإعاقة الجسدية والنفسية. كل المؤشرات تشير إلى استمرار الكارثة إلى أجل غير مسمى، وسيطول الانتظار لهذا الأجل مالم يحدث ما من شأنه دفع روسيا والصين إلى التخلي عن موقفهما الداعم للأسد ويتخلى الغرب عن نفاقه وازدواجيته، ويعاد طرح القضية السورية في مجلس الأمن للخروج بقرار التدخل العسكري أو تزويد السوريين بالسلاح وهذا هو الخيار الذي أميل إليه. لا أعول على الجامعة العربية كثيرا أو قليلا، ولم أعول عليها أبدا، وأعيش حياتي وكأنها غير موجودة، مثل ملايين من العرب. لكن سوف يتغير موقفي منها، وإن مؤقتا، لو اتخذت القرار الشجاع، الذي لن يرضيني قرار غيره، بتزويد الثوار السوريين بالسلاح للإطاحة ببشار الأسد، واعتماد هذا التدخل أسلوبا للتعامل مع كل حاكم عربي، في أي بقعة من العالم العربي، قد تزين له نفس الأمارة بالسوء ممارسة الطغيان على شعبه، أي نوع من الطغيان! لكن لا أعتقد أن هذا سيحدث، ولن يتغير موقفي منها، كما أنني لن أغير رأيي أن روسيا والصين وباقي الكبار في مجلس الأمن في السوء سواء. فليهنأ بشار بالفيتو الروسي الصيني، وباستبعاد التدخل (الدولي) العسكري وبانتظار العالم ل(غودو) الحل السلمي!