ستكون الأنظار شاخصة اليوم الأربعاء إلى «أرينا دي ساو باولو» في ساو باولو الذي يحتضن موقعة نارية بين المنتخبين الأرجنتيني والهولندي اللذين يتقارعان على حلم طال انتظاره كثيراً، وذلك في الدور نصف النهائي من المونديال. ويدخل الطرفان إلى هذه المواجهة المرتقبة وكل منهما يدرك أن الفوز بها سيفتح الباب أمامه لتحقيق حلم لطالما لهثا خلفه، فالأرجنتين لم تفز باللقب منذ 1986 وهولندا لم تدخل حتى إلى نادي الأبطال رغم الأجيال الرائعة التي مرت لديها عبر السنين وقادتها إلى المتر الأخير حيث سقطت ثلاث مرات آخرها في النسخة الأخيرة 2010 في جنوب إفريقيا حين ذهب الحلم أدراج الرياح بهدف قاتل من الإسباني أندريس إنييستا في الدقيقتين الأخيرتين من الشوط الإضافي الثاني. ومن المؤكد أن هذه المواجهة تعيد إلى الأذهان نهائي 1978 حين خرجت الأرجنتين فائزة بعد التمديد بثلاثة أهداف لماريو كامبيس «هدفان» ودانييل بيرتوني، مقابل هدف لديك نانينغا. ورغم أن هولندا تمكنت من تحقيق ثأرها 1998 بفوزها على «لالبيسيليستي» 2-1 في الدور ربع النهائي، لكن حسرة خسارة النهائي الثاني على التوالي بالنسبة لمنتخب «الطواحين» ليست بالأمر الذي يمكن تناسيه بسهولة، وبالتالي سيدخل رجال المدرب لويس فان غال إلى هذه المواجهة وهم يبحثون عن تحقيق ثأر عمره 36 عاماً على الأرجنتين التي توجد في دور الأربعة للمرة الأولى منذ 1990. ويمكن القول إن ساعة الحقيقة دقت أمام الأرجنتين ونجمها الكبير ليونيل ميسي بعد أن تمكن «لا لبيسيليستي» من تخطي عقدته مع دور نصف النهائي بتغلبه على بلجيكا الواعدة بهدف سجله غونزالو هيغواين. وأصبحت الفرصة متاحة الآن أمام الأرجنتين التي ستفتقد خدمات لاعب مؤثر جداً هو أنجل دي ماريا بسبب الإصابة، لكي تقول «لقد عدت مجدداً بين الكبار» لأنها على بعد 90 دقيقة من النهائي الخامس في تاريخها. ودائما ما كانت الأرجنتين مرشحة للفوز باللقب العالمي لكن «عدادها» توقف عند تتويجين في 1978 مع ماريو كامبس و1986 مع دييغو مارادونا الذي كاد أن يقودها إلى لقب ثالث 1990 لكن المنتخب الألماني حرمها من ذلك بالفوز عليها في النهائي. وهنا يأتي دور ميسي الساعي إلى الانضمام لهاتين الأسطورتين بعد أن عجز عن ذلك سابقاً، حيث توقف مشوار «لا البيسيليستي» عند الدور ربع النهائي عامي 2006 و2010 وفي المرتين أمام ألمانيا، بركلات الترجيح 1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي وبرباعية نظيفة على التوالي. ويمكن القول إن ميسي ارتقى أخيراً إلى مستوى المسؤولية التي وُضعت على عاتقه منذ أن سلَّمه شارة القائد المدرب السابق مارادونا الذي قال علناً إن «ليو» هو خليفته، إذ لعب دوراً حاسماً في وجود بلاده هنا بعدما سجل أربعة أهداف مصيرية ضد البوسنة (2-1) وإيران (1-0) ونيجيريا (3-2)، إضافة إلى تمريرة كرة الهدف الذي سجله أنجل دي ماريا ضد سويسرا (1-0) في الدور الثاني. أما بالنسبة لهولندا، فتبدو مستعدة أكثر من أي وقت مضى لكي تفك عقدتها مع النهائيات العالمية بقيادة مدرب محنك لويس فان غال، وبتشكيلة متجانسة بين مخضرمين وشبان واعدين. لقد وقفت البلاد المنخفضة ثلاث مرات عند حاجز النهائي، فخسرت أمام مضيفتها ألمانيا الغربية 1-2 في زمن «الطائر» يوهان كرويف 1974، ثم النهائي التالي على أرض الأرجنتين، قبل أن تتخطى البرازيل في ربع نهائي النسخة الماضية ويقهرها أندريس إينييستا في الدقائق الأخيرة من النهائي. عندما قاد المايسترو رينوس ميتشلز البلاد المنخفضة من دكة البدلاء في سبعينيات القرن الماضي، ترجم الهولندي الطائر يوهان كرويف فلسفته، فاخترع منتخب الطواحين كرة شاملة استعراضية لا تزال عالقة في الأذهان أورثتها لاحقاً لتشكيلات أياكس أمستردام وبرشلونة وغيرهما، وترجمها الثلاثي ماركو فان باستن، رود خوليت، وفرانك ريكارد، مع ميلان الإيطالي. في تصفيات 2014، ضربت هولندا بقوة كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، فحصدت 28 نقطة من 30 ممكنة في طريقها إلى البرازيل، بينها فوز ساحق على المجر 8-1، فكانت أول المتأهلين إلى بلاد السامبا، ثم بدأت مشوارها في النهائيات باستعراض ناري أمام إسبانيا حاملة اللقب وثأرت شر ثأر من الأخيرة باكتساحها 5-1، لكنها عادت بعدها لتعاني بعض الشيء أمام أستراليا 3-2 ثم تشيلي في مباراة هامشية للمنتخبين 2-0 قبل أن تتخلص من المكسيك في الدور الثاني بصعوبة بالغة 2-1 بعد أن كانت متخلفة حتى الدقيقة 88. وفي الدور ربع النهائي، قدم الهولنديون أداء هجومياً رائعاً أمام كوستاريكا لكن الحظ والحارس كيلور نافاس وقفا في وجههم، ما اضطرهم للجوء إلى ركلات «الحظ» الترجيحية التي أثبت فيها فان غال أنه مدرب استثنائي. فهولندا سيطرت، سددت، أهدرت، استحوذت وكانت الأفضل أمام خصمتها كوستاريكا التي خاضت أروع رحلة في تاريخ المونديال، ونجحت في جر المنتخب البرتقالي إلى ركلات الترجيح. وستكون مواجهة ساو باولو الخامسة بين المنتخبين في نهائيات المونديال التي تسعى الأرجنتين إلى بلوغ مباراتها النهائية للمرة الخامسة «1930 و1978 و1986 و1990»، والأول يعود إلى الدور الثاني من مونديال 1974 حين خرجت هولندا يوهان كرويف فائزة برباعية نظيفة، أما الثاني فكان في نهائي 1978 «3-1 للأرجنتين بعد التمديد»، والثالث في ربع نهائي 1998 «2-1 لهولندا» والرابع في الدور الأول 2006 «0-0». وتواجه الطرفان في أربع مناسبات ودية أيضاً وفازت هولندا مرتين وتعادلا في المباراتين الأخريين، ما يعني أن هولندا تتفوق تماماً في المواجهات المباشرة بأربعة انتصارات مقابل ثلاثة تعادلات وهزيمة واحدة لكنها كانت في المباراة الأكثر أهمية بينهما أي في نهائي 1978. لكن تفوق هولندا لا يعني شيئاً، وكذلك الأمر إحصائية أن الأرجنتين وصلت دوماً إلى النهائي في كل مرة تخطت فيها ربع النهائي، لأن ملعب «أرينا ساو باولو» هو الذي سيحدد من سيحصل على بطاقة النهائي بين منتخبين يضمان في صفوفهما بعضاً من أفضل نجوم الكرة في العالم، ك «النفاثة» أريين روبن، وويسلي سنايدر، والقائد روبن فان بيرسي، وكاوت، من الجهة الهولندية، مقابل ميسي، وهيغواين، وإيزيكييل لافيتزي، وخافيير ماسشيرانو الذي اعتبر أن على منتخب بلاده «التمسك بالحلم الذي يراودنا لأننا أخذنا الأرجنتين إلى مكان لم توجد فيه منذ فترة طويلة».