تصاعدت وتيرة التوترات بين الجنوب والشمال في السودان بشكل متسارع لتنتقل من الحرب الكلامية إلى خطوات أبعد تشكل مدخلا محتملا لصراع دامٍ بين البلدين حال وقوع اشتباك مسلح بسبب خلافات حول قضايا عالقة سياسية واقتصادية. وأعلن رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت رفع درجة الاستعداد القصوى وسط كل الوحدات العسكرية للجيش الشعبي، ودعاها إلى تعبئة الشعب لمواجهة المهدِّدات والمخاطر التي تحيط بالبلاد، محذراً الخرطوم من خوض حرب ضد بلاده. فيما أبدت الحكومة السودانية عدم رغبتها في التصعيد اللفظي والعسكري مع دولة الجنوب، وأشارت لالتزامها بمبدأ حسن الجوار ما لم تتّخذ دولة الجنوب موقفًا آخر، وقالت: “إذا اتّخذت جوبا موقفًا آخر فلكل حدث حديث”. واعتبر الحزب الحاكم في الخرطوم على لسان القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبدالعاطي، في حديثه ل” الشرق”، قضية نشوب حرب بين دولتي الجنوب والشمال تحصيل حاصل، وتابع “في الحزب الحاكم لا نقيم لهذا الأمر اعتبار بالنظر إلى الماضي واتفاقية السلام الشامل”. وأوضح عبدالعاطي أن أي رِدَّة أو رجوع إلى الخلف سيؤثر على الدولة الوليدة، وأضاف “باختصار شديد من تهون عليه نفسه يهون عليه كل عقاب، ولو اختارت دولة الجنوب الحرب فنحن لها وعلى استعداد دائم”، مشيرا إلى ثقته فى قدرات جيش السودان بقوله “فيما يتعلق بامتلاك دولة الجنوب طائرات حربية، فنحن نقول إن المسألة محسومة لنا لاننا نحارب بإرادة الرجال، فالطائرات لاتقاتل وإنما تقاتل الرجال”. مساعي أممية لامتصاص التهديد من جهته اطلع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان هايلي منكريوس وزير الخارجية بالخرطوم علي كرتي أمس، على جملة من القضايا الخاصة بالوضع في السودان، ونقل منكريوس للخرطوم الاتصالات التي يُجريها لامتصاص نبرة التصعيد بين الشمال والجنوب، وتداول منكريوس مع وزير الخارجية، حسبما أفاد المتحدِّث الرسمي باسم الخارجية السفير العبيد مروح، مجمل الأوضاع بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وتقييم الأوضاع بهما والخطوات المطلوبة للتنفيذ عقب إجراء تقييم الأوضاع.وأوضح مروح، فى تصريحات صحفية، أن اللقاء شمل الحديث عن المفاوضات في العاصمة الإثيوبية مع جوبا، وتابع “دار حديث حول التفاوض بصفة منكريوس ضمن الفريق المعاون للاتحاد الإفريقي”، مضيفا أن وزير الخارجية علي كرتي رحّب بخطوات منكريوس وأكد له أن السودان لا يرغب في التصعيد اللفظي والعسكري مع دولة الجنوب، وأن الخرطوم ملتزمة بمبدأ حسن الجوار ما لم تتخذ جوبا موقفًا آخر. ولفت مروح إلى أن كرتي أبلغ منكريوس أن الخرطوم ستقوم بإتخاذ موقف إذا اتجهت جوبا إلى المضي نحو اتخاذ موقف آخر غير حسن الجوار. خيار الحرب مفتوح من جهتها أقرت جوبا بأن خيار الحرب يظل متاحا، وقال عاطف كير القيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان “الحزب الحاكم في الجنوب” إن الحرب خيار مطروح بمعنى أصح أن هنالك قضايا عالقة مطروحة إذا كتب لها أن تحل فلن تكون هناك حرب، أما لو لم تحل هذه القضايا فإن خيار الحرب وارد. في الوقت ذاته وجّه سلفا كير قيادة الجيش الشعبي بإعلان الاستعداد والانتشار على الحدود مع السودان، ونقل للقيادات العسكرية في اجتماع بقاعدة “بلفام” العسكرية في جوبا أمس تحسب حكومة الجنوب لكافة الاحتمالات بما فيها الحرب مع الخرطوم. ووصف سلفاكير حديث البشير الأخير بأنه إعلان حرب على الجنوب، ودعا قواته لأن تأخذه بجدية، وقال لهم: “ما تنوموا”، وأكد لهم أن البشير يحشد قواته على حدود دولة الجنوب لغزوها بهدف إعادة ضمها إلى دولة السودان بالقوة بعد أن فقد النفط، وطالب سلفاكير البشير بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية. فى السياق ذاته قالت مصادر إن الاجتماع انحرف عقب حديث سلفاكير إلى مواجهة معه بشأن أوضاع القوة، وذكرت أن قيادات الجيش طالبت سلفا بانتشال الجيش الشعبي مما سمّوه ب”الوضع المزري للجنود”، وحمايته من التعليمات القبلية لسياسيي الحركة الشعبية والكفّ عن الزجّ بقوة الدولة في الصراعات والتصفيات القبلية، وهو ذات الأمر الذي اعتبره المؤتمر الوطني نقطة ضعف تعصف بالجنوب وتضعه في وضع لايسمح له بالدخول والمغامرة في شن حرب شاملة مع الشمال. الحرب لاتستأذن أحداً وتعليقا على الوضع فى السودان استبعد الخبير الأمني العميد حسن بيومي في حديثه ل” الشرق” لجوء الدولتين لخيار الحرب، وقال “أؤكد تماما أنه لن تندلع أي مواجهات مسلحة بين الدولتين”، وأرجع التصعيد الذي شهدته الساحة إلى العمل بمبدأ الإفراط في الإجراءات دون التفريط بالأمن، معتبرا أن وضع القوات في حالة التأهب والاستعداد مجرد تحسب وليس حقيقة “فالحرب لا تستأذن أحدا”. وقلل بيومي من قدرة الدولتين على خوض غمار الحرب، وأشار إلى عدم امتلاكهما الكفاءة أوالإمكانات الاقتصادية لمواجهة تداعيات أي حرب بين الجانبين، وعن الجيش الشعبي بالجنوب قال”مازال جيش مليشيات ومن المتوقع أن يذوب في أي لحظة، بعكس القوات المسلحة السودانية في الخرطوم التي تعتبر أكثر تنظيما وتسليحا”. وأضاف أن الشروط للحرب بين الطرفين مازالت غير متوفرة من الناحية التعبوية الداخلية، وليس من العقل والحكمة أن تحول كل دولة اقتصادها لاقتصاد حرب لأن ذلك ليس في مصلحة الدولتين. استبعاد خيار الحرب قال معتمد أبيي الأسبق والخبير العسكري اللواء الدكتور عبدالرحمن أرباب ل”الشرق” إن رفع درجة الاستعداد للجنود إجراء عسكرى طبيعي وليس شرطا أن يعني ذلك توتر العلاقات بين الدولتين، بل الهدف منه رفع الروح المعنوية وأن تكون القوة في جاهزية عالية استعدادا للقتال، وتابع “لا أعتقد أن هنالك حرب سوف تحدث، وإذا حدث فلن تكون حرب بكل المقاييس وإنما عبارة عن مناوشات وتوترات لأن كل طرف يحاول إظهار القوة وذلك لرفع الروح المعنوية لشعبه وفي نفس الوقت إنذار الطرف الآخر”. وتعاني حكومة الجنوب من اقتصاد مصاب بالشلل التام خاصة بعد فقدان عائدات النفط التي تغذي خزانته ب 98%، وهو ما دفعها للجوء لإجراءات تقشفية خفَّضت فيها الرواتب بنسبة 40%، وهو ما يثير الشكوك حول قدرة جوبا على خوض الحرب.