أيهما أجدى نفعاً: الدفاعُ عن الإسلام بأقوالنا أم الدفاعُ عن الإسلام بأفعالنا وممارساتنا؟ لنتأمل فيما قاله الرئيس التركي -عبر قناة الجزيرة الإخبارية- عما يحدث اليوم من اقتتالٍ مريرٍ بين المسلمين قال: «الانطباعُ السائدُ عالمياً عن الإسلام يزداد سوءاً بسبب الحروب بين المسلمين». لقد رأى الرئيس التركي المجتمعَ العالمي يتحدث عن الإسلام وأنه سببٌ لذلك الاقتتال، إذن فممارسة الاقتتال بين المنتسبين للدين الواحد صار سبباً لتشويه الدين الحنيف عالمياً. الممارسةُ والأفعال هي من يحدد قيمة معتقدك عند الآخرين، فما يقوم به خوارج هذا العصر وكذا الجماعات الطائفية المتطرفة – من أي مذهبٍ كانت – من اقتتالٍ وجزٍّ للرؤوس، وتقطيعٍ للأعضاء، وهدمٍ وهتكٍ بزعم الجهاد، والمفاخرة به، ونشره في كل العالم لهو أبلغ الأثر في تشويه الإسلام والمسلمين. أعجبُ كلَّ العجب من أولئك الذين يدَّعون الدفاع عن الإسلام بالأقوال وعبر النشرات التعريفية وعبر المعارض الإقليمية والدولية، ثم تجدهم يقفون حجرَ عثرة ضدَّ نقد الجماعات الحركية التي صارت عبئاً ثقيلاً على الإسلام وأهله، وتدَّعي أنها ممثلٌ وحيد للدين الحنيف، وأعجبُ كثيراً من أولئك الذين يرفضون نقدَ التراث الإسلامي الاجتهادي الذي يصيب ويخطئ ويصلح للزمن الذي حيك فيه ذلك الاجتهاد. لستُ ضدَّ التعريف بالإسلام وبنبينا الكريم -عليه أفضل الصلاة والسلام- عبر النشرات والبرامج والمعارض، لكني لا أعولُ عليها كثيراً في الدفاع عن الدين الحنيف ضد الحملات التشويهية الموجهة إليه، لا يصلح -اليوم- أن نحاول الدفاع عن الإسلام بالتنظير بعدالته وشموليته وصدق نبيه -عليه السلام- ونصرته للفقير والمحروم، بينما واقع المسلمين لا يشهد بهذا، الواجب أن نصحح أنفسَنا من الداخل، وأن نثبتَ تلك المفاهيم السامية عبر ممارساتنا وأفعالنا، فلا فائدة من الأقوال دون إثبات ذلك بالأفعال، وفي محكم تنزيل القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}. إن الناس -اليوم- يقيِّمون ديننا بممارساتنا التطبيقية، فهم لا يقيِّمونه بما هو مثبتٌ في القرآن الكريم وفي صحيح السنة النبوية، علماً أن بعض المسلمين -ومع الأسف- يقول: لا يهمنا ما يقوله الآخرون عنا!!، وأقول له: إذن لماذا ندعوهم لديننا إذا كنا لا نعبأُ بأقوالهم؟ إن السؤال المهم الذي يطرح نفسه: هل نحن جادون وصادقون في الدفاع عن ديننا؟ أم هي مجرد مزايدات نشتري من خلالها بآيات الله ثمناً قليلاً؟ لا أعتقد أن للأقوال أثراً كما هي للممارسات التطبيقية والأفعال، فالسيف أصدق إنباءً من الكتبِ، كما هو تعبير الشاعر الشهير أبي تمام. الشيخ الأستاذ محمد عبده -صاحب تفسير المنار- له كلمة معروفة عند الجميع تعطينا أهمية العناية بالممارسة وإصلاح المجتمع الإسلامي من الداخل فكرياً واجتماعياً يقول: «في الشرق وجدتُ إسلاماً بلا مسلمين، وفي الغرب وجدتُ مسلمين بلا إسلام»، في هذا السياق يمكن أن نفهم فكرة محمد عبده من هذا الكلام، وهو أن أكثر المسلمين لم يعنوا بالإسلام كمقصدٍ وروح، ولم يتخذوه كمضمون، بل اتخذوه شعاراً وشكلاً لأجنداتٍ ومصالحَ سياسيةٍ وغيرِ سياسيةٍ بعيدةٍ عن أهدافه السامية. لو تأملنا في كيفية دخول الإسلام وانتشاره في الشرق الآسيوي (إندونيسيا، ماليزيا) لوجدنا أنه لم يدخل بالسيف، ولم يدخل بحملاتٍ دعوية منظمة، بل دخل عبر التجار من حضرموت واليمن وعمان الذين كانوا على قدرٍ كبيرٍ من المسؤولية والأمانة والحلم ولين الجانب، وبهم تعرَّفَ الآسيويون على سماحة الإسلام وعدله وتكريمه للإنسان، وبسبب هؤلاء التجار دخلَ مئاتُ الملايين في الإسلام؛ فعدد سكان إندونيسيا أكثر من مائتي مليون نسمة أغلبهم من المسلمين، والأغلبية من الناس أيضاً في ماليزيا من المسلمين، في الوقت نفسه دخلت الجيوش العثمانية في بعض البلدان الأوربية بالسيف والقوة وأريقت الدماء، مما كان له الأثر السلبي على العثمانيين أنفسهم وعلى الإسلام والمسلمين عموماً، وحتى الأندلس (إسبانيا اليوم) التي كانت ضمن البلاد الإسلامية لم يستمر فيها الإسلام؛ لممارساتٍ سياسيةٍ اجتهاديةٍ خاطئةٍ آلت لتشويه الإسلام والمسلمين. أخيراً: على من يدين بهذا الدين العظيم ويغار عليه أن يتجردَ من عاطفته التي ربما تخدعه كثيراً، فتحسين سمعة الإسلام مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بسلوك المسلمين عدالةً وحقوقاً وتقدماً وتطوراً وعلماً واحتراماً لأديان الآخرين ومذاهبهم ومعتقداتهم وأعراقهم وألوانهم وبلدانهم، أما المعارض والنشرات والبرامج التعريفية بالإسلام فلا أنكرُ فائدتها؛ لكنها فائدةٌ وقتيةٌ لا تتعدى زمنها الذي تعيش فيه، ولا تقارن بالأفعال والممارسات والسلوك، فإعجاب العالم أجمع بالحضارة الغربية وانبهارهم بها إنما هو نتيجة أفعال.