بعد دراسات مستفيضة ومُرهقة اقترحت جهة حكومية مشروع نظام ذا علاقة بالتنمية، ووفقاً للروتين المُعتاد تم تكوين لجنة لدراسته تتألف من مديري العموم في سبع جهات حكومية، وعقدت اللجنة عشرات الاجتماعات لدراسة وتشريح النظام مادة مادة، وفقرة فقرة، في مناقشات صاخبة لم تُوفر حتى علامات الترقيم. وفي الاجتماع المخصص لدراسة المادة الأخيرة: “يُصبح هذا النظام نافذاً بعد نشره في جريدة أم القرى”، اعترض أحد المندوبين على كلمة (بعد) بحجة أنها تفتح المجال أمام تأخير نفاذ النظام إلى وقت غير محدد بعد النشر. وبعد نقاش مستفيض رؤي إبدالها بكلمة (عند) لأنها تعني نفاذه فور نشره. أُحيل المشروع إلى مجلس الشورى وتولته لجان المجلس وأعضاؤه بالمزيد من الدراسة والتهذيب، مادة مادة، وفقرة فقرة، وفاصلة فاصلة. ثم نوقش بكثافة وعمق في مجلس الوزراء، ثم صدر مرسوم ملكي بالمصادقة عليه وإصداره، ثم نُشر في أم القرى. وفي اليوم الذي نُشر فيه تقدم رجل أعمال برفقة محاميه إلى الجهة المعنية بتنفيذه، وطلب من الموظف اتخاذ إجراء مبني على النظام الجديد، وسحب المحامي من شنطته نسخة أم القرى وبسطها بثقة أمام الموظف قائلاً إن النظام دخل حيز النفاذ بعد منتصف ليلة البارحة. اعتذر الموظف بأنه لم يسمع عن النظام. وبعد شهرين عاد الرجل ومحاميه لهذا الموظف وتكرر نفس السؤال وأم القرى والجواب. وبعد شهر ثالث عاد الرجل ومحاميه وأم القرى، فما كان من الموظف إلا أن رمق المحامي بنظرة ملؤها الشفقة وسأله: هل تُعاني من الحُمَّى؟!