شكّل الكشف الذي تم قبل عدة أسابيع عن إحباط محاولة تهريب كميات ضخمة من المخدرات صدمة كبيرة لكثير من المختصين والباحثين من وجود ما وصفوه بمؤامرة لتدمير المملكة وشبابها. وأوضح المتحدث الأمني حينها بأن المحاولتين تمتا عبر جسر الملك فهد، الأولى بتاريخ 14/4/1435ه، في حين جرت المحاولة الثانية بتاريخ 14/5/1435ه، وتم فيها ضبط (14.425.570) قرصاً مخدراً، مخفية داخل بكرات مواد بلاستيكية، وقد أكدت التحقيقات الجارية في هذه الجريمة ارتباطها بشبكة تهريب دولية تنشط في تهريب تلك الأقراص المخدرة إلى المملكة، ويتزعمها أشخاص سوريو الجنسية يتنقلون بين عدد من الدول في الشرق الأوسط، وتعمل الجهات المختصة على استكمال الإجراءات النظامية لملاحقتهم قانونياً ومحاكمتهم أمام القضاء الشرعي في المملكة. «الشرق» التقت بالباحث الدكتور سلمان بن محمد بن سليمان العُمري الذي أشار في مقالات عدة إلى أن المخدرات ليست داءً أو مشكلة فحسب بل هي حرب مدمرة للأمم والشعوب، وأن مجتمعنا مستهدف في قدراته وفي شبابه، ولا أدل على ذلك من كميات المخدرات التي يتم إحباط تهريبها من الجهات المختصة في الجمارك أو مكافحة المخدرات، واستهدافنا من قبل عصابات منظمة لهذا الغرض، ويكفي ما تناقلته الأخبار مؤخراً، وفق ما صرح به المتحدث الأمني لوزارة الداخلية بأن الجهات المختصة تمكنت، وبالتنسيق والتعاون مع الجهات الأمنية المختصة في مملكة البحرين الشقيقة، من رصد ومتابعة وإحباط محاولتين لتهريب (22.085.570) قرصاً مخدراً، تقدر قيمتها السوقية ب (1.038.021.790) ريالاً، كما تم القبض على 5 سعوديين ومواطن بحريني من المتورطين في تلك الصفقات. وأضاف العمري في تحليله للمشكلة قائلاً: وفي الوقت الذي نحمد الله على أن حمى بلادنا وشبابنا وشاباتنا من هذه المحاولة الدنيئة التي تستهدف بلادنا المباركة ليس للكسب المادي فحسب، بل هناك عوامل أخرى لدى البعض هي مهمة عند المستهدفين. وعن دور الجهات الأمنية قال العمري: إذا كنا نفخر ونعتز ونسعد بما قام به رجال مكافحة المخدرات في هذا العمل الاستباقي القوي فإن بواعث الأسى والحزن تكمن في الأرقام التي سمعناها عما تم مصادرته في هذه العملية وفي العمليات السابقة، وما يعرضه المسؤولون في مكافحة المخدرات عن الكميات المضبوطة بأنواعها وأشكالها المختلفة التي استهدفت شباب بلادنا بقصد إفساد دينهم ودنياهم وعقولهم، وهي مثال عريض يبين حجم هذه الحرب الضروس على بلادنا وعمادها وهم الشباب. وأضاف: إننا نسعد ونفخر بجهود رجال الأمن، فهناك من قدم روحه في سبيل الله لمحاربة هذا الوباء، خاصة بتلك الخطوات الاستباقية في متابعة المهربين والمروجين في بلدانهم، واكتشاف مصانع في الخارج مخصصة لتوريد المخدرات للمملكة فقط. وقال: من ذلك أحد مصانع الحبوب المخدرة في إحدى الدول، وقد حدثني بعض المسؤولين في مكافحة المخدرات قبل أكثر من عامين وخلال زيارة رسمية للمديرية العامة لمكافحة المخدرات عن هذا الإنجاز وهذا العمل الاستباقي الذي كان سيغزو بلادنا وشبابنا. وعن الحلول وطرق المعالجة قال الباحث: لا بد من تكاتف جهود الجميع من المؤسسات الرسمية والأهلية والأفراد والجماعات لوقاية أبنائنا من هذا الخطر الذي يهدد مستقبل الأمة والمجتمعات ويستنزف جانباً من مواردها المالية وإمكاناتها البشرية، وقال: طالبت في مقالات عدة وفي كتاب سابق أعددته بعنوان «وباء المخدرات وخطره على الصحة والمجتمع» بمساهمة رجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية الوطنية ضمن مسؤولياتهم الاجتماعية في التوعية بأضرار المخدرات والمكافحة من خلال دعم برامج التوعية عبر وسائل الإعلام والاتصال بالتنسيق مع الجهات المعينة. وألا نكتفي بأيام وأسابيع فقط بل تكون الحملة مستمرة لمواجهة هذا الوباء الخطير طوال العام. وعن الدور المنوط بأولياء الأمور قال: كما أن هذا لا يعفي أولياء الأمور من المسؤولية الأولى لهم لتوعية أبنائهم وتحذيرهم من رفقاء السوء الذين يجرونهم لمستنقع المخدرات، فإذا حصنّا أبناءنا من هذا الداء فلن يجد البائع والمروج من يبيع له ويسوق له هذا الوباء. وقال: يجب أن نعمل على مسارين: مسار الوقاية أولاً والمكافحة والعلاج، وقد يكون ثمن العلاج باهظاً، وهذا ما رأيناه ليس في الخسائر المادية، بل في حوادث الطلاق والقتل والخطف والاعتداء على الأرواح والأعراض، وهو ما سمعنا عنه كثيراً من أناس تعدى أذاهم بسبب المخدر على غيرهم إن لم يقتلوا أنفسهم نتيجة تعاطي المخدرات. وأشار الباحث العمري إلى نقطتين اعتبرهما مهمتين في سياق الحديث قائلاً: إن حديثي ليس عن ضرر المخدرات؛ فهو معلوم لدى الصغير والكبير، ولكن لا يمنع من التذكير به، وإنما حديثي عن نقطتين رئيستين: أولاهما: حمد الله – عز وجل – على أن حفظ هذه البلاد والعباد من هذا السوء، والإشادة بجهود الرجال المخلصين. والتأكيد على أن يتكاتف الجميع أفراداً وجماعات في مكافحة ومحاربة هذا الوباء وهذا الخطر الداهم. أما النقطة الثانية فهي: أن معظم المدمنين لا يكتفي بإدمانه فقط بل تراه يسعى إلى جر بعض أفراد عائلته إلى هذا الوباء، فتراه يدعو أقرباءه وندماءه وأقرانه بل وزوجته إلى مشاركته في هذا الداء. وقال: إن بعض المدمنين ينجح في جذب بعض أفراد أسرته لهذه المشكلة، ويعظم الخطر حينما يتبع الأولاد سير أبيهم، ويقتفون خطاه في هذا الأمر الخطير في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يكون خط دفاعهم الأول. وقال: إن مدمن المخدرات يفقد الشعور بالمسؤولية؛ لأنه مشلول في تفكيره، ومصاب بفساد الطبع، ويتخلق بالصفات الذميمة للشذوذ في الغريزة، وضرر هذا ممتد إلى كثير من الأفراد، وذلك يؤدي إلى الفوضى وانعدام الأمن، ويجر إلى الخصومات والفساد الاجتماعي. مشيراً إلى أن مدمن المخدرات لا يتورع عن سلوك أي طريق لتأمين احتياجاته من المخدر، وهذا ما نقرأ ونسمع عنه في الحوادث في مجتمعنا وفي المجتمعات الأخرى، فيلجأ للسرقة حتى من أقرب الناس إليه من والد ووالدة وزوجة وإخوان وجيران، كما أنه في حالات فقد الوعي قد يقدم على ارتكاب جرائم بشعة مثل هتك الأعراض والاغتصاب وإزهاق الأرواح، وأعظم من ذلك بأنه قد يسترخص أعراض محارمه بالاعتداء عليها أو تقديمها ثمناً لجرعة أو قطعة مخدر!! واختتم العمري دراسته البحثية قائلا: أذكر بأن البعض قد يهون من خطر المخدرات في بلادنا الغالية، لكن الحقيقة التي لا مجال للتشكيك فيها أن الخطر في تزايد مستمر على الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققها الأجهزة الأمنية في قطع كل سبل وصول هذه السموم إلى البلاد، وتشديد الرقابة على المنافذ وملاحقة المهربين والمروجين، مما يتطلب تكثيف الوعي من كافة الأجهزة المعنية ومسؤولية الأهل في التحذير والتوعية والرقابة من خلال المناقشات البناءة والهادفة مع الأبناء، والاقتراب منهم، والاستماع لمشكلاتهم، والرد على أسئلتهم، وتوضيح الالتباس والغموض، وتصحيح الأفكار الخاطئة لدى الشباب. وأضاف: إن سلامة العقل وصحة البدن نعمتان حبانا الله بهما، ويجب المحافظة عليهما، والمحافظة على الفرد لا تقل عن المحافظة على المجتمع والأمة. إن مسؤولية مكافحة المخدرات ليست خاصة برجالات الأمن فقط. بل هي مسؤولية المجتمع بأسره بدءاً من الأسرة، فالمسجد والمدرسة، وكافة المؤسسات الاجتماعية عليها تقع المسؤولية في مجابهة ومحاربة هذا الداء الفتاك، الذي يخطط له الأعداء لهدم المجتمعات وتفكيكها بل وتمزيق وحدتها من الداخل. وأمام تزايد هذه الحملات المسعورة من قبل عصابات منظمة تريد نشر هذه السموم في أرجاء الوطن قال العمري: إنه يتحتم علينا كأفراد ومؤسسات أن نكون يقظين، ومساندين لرجالات الأمن، وأن يتم التعاون وعدم التراخي بالإبلاغ عن هؤلاء قدر الاستطاعة. ويواصل العمري نصائحه قائلاً: أصبح من الأهمية بمكان ضرورة وضع استراتيجيات توعوية ووقائية جديدة لمجابهة المخدرات ومَن وراءهم تشترك فيها كل القطاعات الحكومية بلا استثناء، وبمشاركة القطاعات الخيرية والأهلية والأفراد ذكوراً وإناثاً.