لم يكن أبو العلاء المعرّي شاعراً كأولئك الذين نقرأهم في تاريخ الأدب القديم، أولئك الذين تستهوينا في أشعارهم الصورة البديعة والفكرة المبتكرة فحسب؛ بل كان أكثر بكثير من وصفه بالشعر وصَفّهِ مع الشعراء! وأنا أقرأ كتاب المرحوم عبدالعزيز التويجري «أبا العلاء؛ ضجر الركب من عناء الطريق» وجدتُ نفسي تغرق في إنسانية شيخ المعرّة، فقد كان شعره معبّراً عن كل ما تحمله النفس البشرية من آلام وهموم وشكوك وحيرة وقلق، وكذلك ما أودعه الله فيه من رهافة حسٍّ ورقّة شعور، وما في شعره من نزعة إنسانية متفرّدة: ولو أني حبيت الخلد فرداً لما أحببت في الخلد انفرادا فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنظم البلادا فهو هنا يبرز مكانة الضمير الجماعي، يريد الخير للناس جميعاً لا لنفسه فقط ، ويرى أن الأرض للإنسان حياً وميتاً، والإنسان حقه الاحترام حتى وإن تحول تراباً: خفّف الوطء ما أظنّ أديمَ ال أرضِ إلا من هذه الأجسادِ وقبيحٌ بنا وإن بَعُد العهدُ هوانُ الآباء والأجدادِ! في شعر رهين المحبسين نزعة إنسانية طافحة، نجدها في محبته للناس جميعاً، وفي نقده لكثير من الظواهر التي تسيئ للحياة والإنسان! وهو في قصيدته السابقة قد ضجر من الدنيا ومكائد الناس حتى أصبح يتمنى الموت بل ويراه نومةً هنيئة ويرى الدنيا سهراً مملاً متعباً: ضجعة الموت رقدةٌ يستريح ال جسمُ فيها والعيش مثل السُهادِ تعبٌ كلها الحياة فما أعجب إلا من راغبٍ في ازديادِ! ويُثار بين الوقت والآخر شكوك هذا الرجل وبعض ما أخذ عليه ولا نجد -إلا قليلاً- هذه البدائع النفيسة في نظرته للكون والحياة والمجتمع والإنسانية! شيخَ المعرّة: قد كنتَ رهين بيتك والعمى، وأنت والله رهين الإنسانية التي ترى نفسها فيك.