كم هو مهم هذا السؤال في ظل التراجع الذي بدا واضحا ويعكس واقعا مؤلما لما آل إليه حال الصحافة الأدبية، وعلينا أن نسأل بدورنا هل سبب ذلك أن الصحافة السعودية، لم تعد تهتم بالجانب الثقافي والأدبي في ظل متغيرات كثيرة من خلال سطوة بدت واضحة على اهتمام القارئ بكل ما يتعلق بالثقافة والفكرالجاد؟ يضاف إلى ذلك، أن الجانب الإداري في المؤسسات الصحفية، يهتم بالنواحي الاقتصادية والمردود المادي، وهذا ما يجعلها تنظر لإفساح مساحات أوسع للمواد الإعلانية، ولن تكون هذه المساحات إلا على صفحات الثقافة القليلة. يبدو أن الاحتمال الأخير هو أهم أسباب تراجع، الملاحق الثقافية وصفحات الأدب، التي كان لها زخمها ووهجها في صحافتنا، وكانت رافدا مهما ومؤثرا في المشهد الثقافي بالتوازي مع ما كانت تفرزه وتصدره منابر الأندية الأدبية من حراك ثقافي، وحوار أدبي. في الوقت الذي تحتل فيه صفحات بورصة الأسهم والتحليلات الاقتصادية وأخبار أسواق المال وأخبار الرياضة والتحيز والترويج لأندية لها جماهيرها، لا تجد الثقافة اليوم مكانا لها في صحافتنا، إلا من باب العلم بالشيء ولا الجهل به. نحن ندرك بلا شك أن الأوضاع اختلفت والزمن اختلف، لذلك نسلم ونعترف بأن آليات الحراك الثقافي اختلفت تبعا لمؤثرات اختلاف إيقاع الحياة. لو نظرنا وتأملنا واقع الملاحق الأدبية والثقافية اليوم مقارنة بماضيها، وكانت هناك (ثقافة عكاظ، مربد اليوم، روافد البلاد، المدينة الأدبية وملحق الأربعاء، إبداع مجلة اليمامة، الملحق الأدبي للندوة، ثقافة اليوم في الرياض وغيرها) كانت تلك النوافذ الثقافية في أوج عطائها، وشكلت ثقافة كثير ممن هم اليوم صُنّاع للثقافة ومحركون للإبداع اليوم.. كان هناك وهج ثقافي نتيجة طفرة ثقافية حدثت منذ منتصف السبعينيات الميلادية انعكس صداها على تلك الصفحات والملاحق بحيث أثرت وتأثرت بالحراك الثقافي، في معادلة كيميائية نتائجها كانت مبهرة، بحيث لا يمكن أن نقرر تحديدا من كان الأكثر تأثيرا على الآخر، الصحافة الثقافية أم الطفرة الثقافية؟ التي كانت ثمراتها أوسع وأشمل؟ وقد أنتجت تلك الفترة جيلا من النقاد والمبدعين من شعراء وقصاصين وأدباء، وجيل من المتخصصين من صحافيي الشأن والهم الثقافي. مازال بريق تلك الأسماء يحتفظ بالوهج ويستأثر بالاهتمام، وقد خلدوا في تاريخ الصحافة الأدبية في صحافتنا، فقد أسهموا في صنع الحركة الثقافية والسعي الحرفي في الإجابة على أسئلة الثقافة الشائكة. ولو عدنا بالذاكرة لفترة الثمانينيات وقد كان الصراع محتدما حول الحداثة وفورة توهجها، كان نادي جدة الأدبي مصدرا ومتزعما هذا الحراك. وكانت الصحافة الأدبية صدى له أثره لما يدور من حوار وصراع في المشهد الثقافي.