لا يتورع عن انتقاد المواطنين في كل مناسبة، يراهم كسالى كثيري الشكوى والتذمر، لا يحبون العمل ويبالغون في مطالبهم غير المعقولة. يدافع بضراوة عن زملائه المسؤولين ويبرر ويفسر قراراتهم التي يراها المواطنون شاذة وغير مقبولة ليريهم جوانب الحكمة الخفية فيها. لا يتردد في التعبير عن إعجابه بنفسه وترديد مناقبه العبقرية التي أبهرت العالم في العلم والفن والرياضة والمطالعة والتأليف. وفي مجال التأليف تحديداً يفتخر كثيراً بمؤلفاته الفذة ككتاب «الرد المحبوك على منتقدي الشبوك» وكتاب « ليس إلا مواطن» أما أعظمها وأهمها في نظره فهو كتاب «الإجابات التصريفية للكوارث الطبيعية» والذي يلاقي رواجاً عالياً بين المسؤولين. رغم كل ذلك يحظى «السيد المسؤول» بشعبية جارفة لدى المواطنين الذين ينتقدهم بقسوة، ينتظرون ظهوره الميمون وطلته البهية بفارغ الصبر، ولا يخيب ظنهم في كل مرة يعود لهم فيها فيتحفهم بأخبار ومشاهد وانتقادات جديدة. تلك الخلطة الذكية غير المنطقية وصعبة التصديق لم تكن لتنجح لولا الموهبة الكبيرة والقبول العالي الذي يتمتع بهما «علي الحميدي» بطل حلقات البرنامج الكوميدي الساخر على اليوتيوب «أشكل». ذلك الشاب ذو القامة القصيرة الممتلئة بعض الشيء والنظرة الخجولة والصوت الخافت في الحوارت العادية، يدهشك بمدى قوة موهبتة التي تتفجر أمام الكاميرا، فيتحول إلى شخصية ساحرة ذات كاريزما وحضور طاغيين، تقبض على تلابيب المشهد في إتقان كامل بلا لحظة ترهل أو ملل، شخصية تقدم الكوميديا بنكهة خاصة جداً لا تشبه في مذاقها أيا من أطباق الكوميديا التي يقدمها معاصروه من فناني اليوتيوب أو حتى من فناني الشاشة الكبيرة. رسائل كثيرة بالغة العمق يقدمها على كرسي جلدي ومكتب فخم و بشت موشح بالقصب. يمررها عبر ابتسامة و تكشيرة و تقطيبة حاجبين وعبارات مراوغة تتلاعب بالمعنى واللفظ بطريقة ماكرة و ذكية، لتتحدث عن البطالة والفقر وأزمة السكن والاحتساب وحتى نظافة المدارس وأزمة الطاقة؛ دون أن تثير الرقيب مباشرة رغم نفاذها العميق في نفس من يتلقاها. ولعل حلقة فبراير من البرنامج التي حملت عنوان «الله يطعني عنك» مثال جيد على تلك الخلطة الذكية بين الجرأة و المراوغة شخصية السيد المسؤول على الرغم من هزليتها المضحكة، إلا أنها تملك بعدا عميقاً يجسد مدى تغلغل الفساد فينا، حتى أصبح جزءا منا نألفه ونسخر منه كما يسخر المريض من عاهته أحياناً رغم شدة معاناته منها. تحية لعلي الحميدي وتحية لكامل فريق عمل برنامج «أشكل»، الذين أثبتوا باستمرارية نجاحهم لموسم ثان أنهم لا يملكون الموهبة فقط، بل يملكون كذلك الرؤية والقدرة على التطوير و الابتكار.