وحده المبدع الحقيقي الذي يقبض علىى جمر القصيدة قبل أن يحترق الورق بحروفها، ووحده المبدع الحقيقي الذي يحتفل بجذوة النار قبل خمودها، ووحده محمد عبد الباري الذي قدم لنا (مرثية النار الأولى) عبر مجموعة شعرية حصدت المركز الأول في جائزة الشارقة للشعر. ينطلق محمد في قصيدته من مخزون قرائي متسع ورؤية فلسفية عميقة للأشياء، ومن معاناة شعورية تؤنس وحشتها تلك الموسيقى الباذخة التي تنساب رقراقة لتتسلل إلى أعماق الأعماق. يشكل اللون هاجسا قويا للنص وحضورا جليا في تفاصيل الغناء مصحوبا بالإحساس العميق بالغربة التي تبحث لها عن وطن، إهداؤه يعبر عن ذات مشتتة فجاء موزعا على شتى الألم، تبرز الثنائيات كثيرا في نصه معبرة عن الصراع: يقول في (ما لم تقله زرقاء اليمامة) شيئ يطل الآن من هذي الذُرى ** أحتاج دمع الأنبياء لكي أرى النص للعراف والتأويل لي ** يتشاكسان هناك (قال) و(فسرا) شجر من الحدس القديم هززته ** حتى قبضت الماء حين تبخرا لاسر فانوس النبوءة قال لي ** ماذا (سيجري) حين طالع (ماجرى) في الموسم الآتي سيأكل آدم ** تفاحتين وذنبه لن يغفرا في الموسم الآتي ستشتبك الرؤى ** ستزيد أشجار الضباب تجذرا وسينكر الأعمى عصاه ويرتدي ** نظارتين من السراب ليبصرا سيرى القبيلة وهي تصلب عبدها ** ف(الأزد) لازالت تخاف (الشنفرى) ولأن محمد عبد الباري قمر شعري في سماء الشعر العربي فسأختم بجزء من نص (نافذة لقمر أسمر) لأن اللون ذاكرتي سأتلو ** فواتح سمرتي في كل آن تأرجح في حبال الشمس وجهي ** لينضج لحظتين من الزمان قديما شكل الكاكاو صوتي ** فإن غنيت يقطر من لساني أنا حمأ البداية يوم هامت ** بسمرة (آدم) حور الجنان!! وبعد: احفظوا اسم الشاعرمحمد عبد الباري وتابعوا إبداعه، فكما قدم لنا (مرثية النار الأولى) سيعيد جذوتها لنا ثانية وثالثة طالما آمن بتفرد موهبته وشاعريته المغايرة!!