هذا الموضوع أتتبعه أنا منذ أكثر من عشر سنوات، وكانت المفاجأة في عام 1978 حينما أعلن دونالد جوهانسون المتخصص في علم الإنسان أي علم الأنثروبولوجيا، أنه كشف في إثيوبيا عن أقدم إنسان، ولشدة فرحهم بتلك الليلة من الاكتشاف فقد غنوا طول الليل أغنية لجماعة البتلز المشهورة يومها عن لوسي أنها من الألماس. وأخذ الكشف من يومها اسم لوسي. وهي أنثى كانت تمشي منتصبة طولها أقل من 150 سم ووزن دماغها في حدود نصف كيلوجرام. كانت تعيش قبل ثلاثة ملايين ونصف المليون من السنين. وفي يوم تحدثت بهذا الخبر لشخص فضحك علي وقال وما الذي يجعلهم يقولون إن عمر هذا الهيكل ثلاثة ملايين من السنين وليس ثلاثاً من سنين؟. وتذكرت حينها قول الشافعي ما جادلني عالم إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني. والرجل الذي كان يسأل أستاذ جامعة فتعجبت من أميته في العلوم. وحاولت أن أشرح له شيئاً عن تقنية الكربون 14 المشع ونظير البوتاسيوم والأرغون ولكن كنت مثل من يروي شعراً باللغة اليابانية لرجل أصم. والمهم فحديثنا لا يدور حول الجاهلين بل الكشوفات العلمية. وظننا يومها أن جوهانسون ضرب الرقم القياسي في الكشف ولكن زميله في العمل (تيم وايت) سبقه فضرب الرقم إلى ما فوق أربعة ملايين من السنين، بكشفه عن هيكل (أرديبثيكوس راميدوس). ومع مطلع الألفية عام 2001 كشف عن إنسان الألفية الذي قفز بالرقم إلى ستة ملايين من السنين على يد فريق فرنسي كيني، وكان البحث يدور حول الجذور إلى سبعة ملايين من السنين، حيث عاش الإنسان الأول. وفي صيف 2002م استطاع عالم فرنسي من (بواتييه) أن يضرب ضربته بعد بحث دام عشرين سنة؛ فعثر في صحراء (تشاد) حيث درجة الحرارة 58، تعصف فيها رمال ساخنة، بسرعة مائة كيلومتر في الساعة، وحيث كانت الحرب الأهلية «شغالة»، و الناس تخطف من حوله، على ثلاثة أسنان، وجمجمة كاملة، لإنسان يصل عمره إلى سبعة ملايين من السنين، وهو أعظم رقم حققه العلم حتى اليوم. وكان دماغ هذا الإنسان كما وصفه العالم الفرنسي (برونيت) الذي كشفه لا يزيد عن حجم الليمون الهندي. وكانت الطبيعة عجيبة يومها بماء منهمر وغابات ساحرة وحيوانات من كل زوج اثنين. حتى انقلب الجو فتحولت تشاد إلى رمال وحروب أهلية ومزقناهم كل ممزق فبعدا للقوم الظالمين.