عندما قررت زيارة عنيزة برفقة بعض الأصدقاء كلجنة التواصل الوطني وبدعوة من النبيل العزيز الأخ فهد العوهلي، تثاقلت الزيارة، فعنيزة تقع في منطقة القصيم على بعد 740 كم من المنطقة الشرقية 320 كم من العاصمة الرياض، تعتبر عنيزة إحدى مدن القصيم المهمة، وهي مدينة تاريخية ذات أهمية اكتسبتها منذ القدم بسبب موقعها الجغرافي المميز، فهي تقع في الجزء الشمالي الأوسط من هضبة نجد إلى الجنوب من مجرى وادي الرمة أكبر أودية شبه الجزيرة العربية، حيث تحيط بها كثبان رملية من الشمال والغرب تسمى رمال الغميس، بينما تقع إلى الجنوب منها رمال وغابات الغضاء في منطقة الشقيقة، وتقع على خط عرض 26 شمال خط الاستواء وعلى خط طول 44 شرق خط جرينتش. وكان لموقعها الجغرافي المهم قديماً دور كبير في أن أصبحت ممراً للقوافل التجارية وقوافل الحجاج القادمين من العراق متجهين لمكة المكرمة لأداء الحج والعمرة، وما زالت هنالك شواهد تاريخية على ذلك وبقايا أثرية تثبت وجود استراحات الحجاج والقوافل التجارية في منطقتي العيارية والقريتين وفي منطقة رآمة، كما أن موقعها التجاري المتوسط من منطقة القصيم أكسبها أهمية بين محافظات ومدن المنطقة، فهي تقع في قلب المنطقة ونقطة التقاء الطرق الرئيسة المتجهة من وإلى منطقة القصيم. ومن المعروف أن عنيزة من المناطق ذات الارتفاع المتوسط عن سطح البحر، حيث يصل ارتفاع بعض جهاتها إلى ما يزيد على 700 متر عن سطح البحر، وتنحدر في جهاتها الشمالية والشمالية الشرقية في المنطقة القريبة من مجرى وادي الرمة، حيث تعتبر أقل مناطق عنيزة انخفاضاً. هذه اللمحة التاريخية خففت وطء عناء السفر ورفعت وتيرة الرغبة في اكتشاف هذا الجزء من الوطن، وما إن كنا على مشارف هذه البلدة حتى انتابني شعور بأنني لم أبرح بلدتي الأحساء، فعنيزة بلد صديق حميم للنخلة التي تربيت تحت ظلالها وربت أكتافي من تمرها وسعفها وجذوعها، فهمست لأصدقائي أننا لم نبرح مكاننا فهل رجعنا أم وصلنا؟ دخلنا عنيزة وقضينا فيها يومين كانا حافلين بالبرامج التي أماطت اللثام عن وجه عنيزة الجميل، فكل جميلة عندنا تتلثم كي لا يطمع فيها المتربصون، لكن عنيزة اطمأنت لإخوانها فكشفت لنا عن وجهها المشرق. فقد اكتشفنا طيبة أهلها وسماحتهم وحفاوتهم وطيب معدنهم منذ لحظة استقبالنا من العزيز فهد العوهلي، واستمرت هذه الحفاوة مع كل من استقبلنا من أهالي عنيزة السمحاء الفخمة. لقد رأينا النبل والشهامة جلية في أهالي هذا الجزء من وطني بدءاً من المحافظ البشوش المرح فهد السليم، مروراً بأهلها، ونهاية بصديق البيئة (عامل النظافة) الذي اكتسب هذه الميزة من طباع أهلها، رأينا الجانب الإنساني يتجلى بأجمل صوره في مشاريع مبتكرة لرفع وعي وثقافة وتعامل أهل البلدة، فالبرنامج شمل زيارة تلك المشاريع الإنسانية العملاقة والوقوف عليها، وعندما سمعت من أمين عام جمعية عنيزة للتنمية والخدمات الإنسانية عن مشاريعهم لذوي الاحتياجات الخاصة، قلت له إنك ستجعل من عنيزة وجهة لهذه الفئة، فسمعت الرد من النبيل فهد العوهلي قائلاً: بل قل سنجعل من أهالي عنيزة متطوعين يخدمون هذه الفئة، جميل أن يكون الإنسان إنساناً بما تحمل هذه الكلمة من معنى، لقد تلمست ذلك من إخوتنا وشركائنا في الوطن أبناء عنيزة الكرام، فهم يحملون هذا العبء الإنساني المحض وينفقون بسخاء من أجل هذا الهدف كما رأيناه من خلال 16 جمعية ومؤسسة أهلية خيرية تُعنى ليس بإعالة الفقراء وحسب بل من خلال تقديم مشاريع إنسانية مبتكرة تنمي حالة الانتماء وترفع الوعي تجاه خدمة الوطن والمجتمع. هذه الزيارة التي أصَّلت العلاقة بين الأحساء والقطيف وعنيزة، والتي تتشابه جميعها جغرافياً وديموغرافياً من حيث البيئة الزراعية، وبالنخلة تحديداً، ومن حيث الطباع والسلوك وحتى المصطلحات والمسميات والاهتمام بالتراث والتقاليد بثوب حديث وعلى أعلى مقاييس الجودة، هي امتداد لأواصر العلاقات الموجودة أصلاً في المنطقة الشرقية، فكثير من أهالي عنيزة يقطنون الشرقية وقد راق لهم المعيش لأنهم بين أهلهم وذويهم. لا شك أن مثل هذه الزيارات المتبادلة تنمي الحس الوطني وتقوي أواصر المحبة والإخاء، وترفع أسباب العزلة والانكفاء، فتجعل من الوطن نسيجاً جميلاً ولوحة ناصعة الألوان تشكل جمالاً وروعة قد امتزجت مع بعضها بعضاً لتشكل اللوحة الغاية في الجمال، حفظ الله وطننا من كل سوء ومكروه.