قال الدكتورعبدالله المسند عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم رئيس المجموعة التخصصية لدراسات المناخ والبيئة والمياه في الجمعية الجغرافية السعودية المشرف على جوال الرياض (قناة كون) ان وادي الرمة من أهم الظواهر الجيومورفولوجية في هضبة نجد ويعتبر أكبر وأطول أودية الجزيرة العربية، ويقوم بتصريف سيول هضبة نجد المتبلورة (الواقعة فوق الدرع العربي) عبر شبكة كثيفة ومعقدة من الروافد والشعاب. واضاف أن حوض وادي الرمة يقع معظمه في منطقة القصيم، بينما تقع أطرافه جنوب منطقة حائل، وشرق منطقة المدينةالمنورة، وشمال غرب منطقة الرياض، مشيراً إلى أن حوض وادي الرمة يمتد غرباً من حرات بركانية سوداء ترتفع عن سطح البحر بأكثر من 1300م كحرة هُتَيءم وحرة خيبر شرق منطقة المدينةالمنورة، وينتهي الرمة شرقاً على أعتاب نفود الثويرات بالقرب من قرية البَنءدَرِيَّة جنوب الأسياح حيث محيره ومصبه وقيعانه وبذلك يبلغ طول الوادي 600كم تقريباً.. وأشار إلى أن وادي الرمة قبل حوالي ( 10.000) سنة في العصور المطيرة كان نهراً عظيماً يجري من شرق المدينة ويصب في شط العرب قريباً من جبل سنام عبر وادي الأجردي والباطن وبطول يصل إلى 1200كم تقريباً، وبعد عصور الجفاف الطويلة والقاصية انفصل وادي الأجردي والباطن عن وادي الرمة الأصل وأصبحتا أودية مستقلة بسبب نشاط زحف وحركة رمال الثويرات والدهناء، التي أدت إلى قطع مجرى الوادي إلى ثلاثة أجزاء: الرمة وهو الأطول والأكبر 600كم، الأجردي وهو الأصغر 45كم ويقع في هضبة التَيءسِيَّة، وأخيراً الباطن 450كم. وقال د. المسند إن وادي الرمة قديماً وقبل أن تقطع الرمال طريقه قد بنى سهلاً فيضياً في الدبدبة شمال شرق السعودية، مشيراً إلى أن حوض الرمة يبدأ غرباً من حرة خيبر وهُتَيءم حيث تجتمع عشرات الأودية الصغيرة والمراوح الفيضية لتشكل أعالي مجرى الوادي ويكون اتجاه الرمة إلى الجنوب الشرقي حتى يتصل به رافد الجَرِير من الجنوب فيتغير اتجاهه مرة ثانية إلى الشمال الشرقي متبعاً المنخفضات والسهول وبصفة عامة يتبع جريانه ميلان أرض نجد من الغرب إلى الشرق بصفة عامة.. ويميل منسوب الوادي من الغرب إلى الشرق ميلاناً ضعيفاً وبمعدل 1.3م في كل 1كم، إذ يبلغ ارتفاعه عند أعالي الرمة قرب الحرات الغربية في منطقة المدينة حوالي 1380م فوق سطح البحر وعند عقلة الصقور 785م، وعند الرس 655م وعند البدائع 647م بينما عند عنيزة 630م وعند سد الوادي 613م أما عند بريدة 602م وأخيراً مصبه عند قرية البندرية التي ترتفع 575م فوق سطح البحر. وأضاف أن هذا الميلان التدريجي والضعيف لمجرى وادي الرمة منح الوادي فرصة ليرسب حمولته من الطمي العظيم فوق قطاع حوض الوادي الشرقي مما ساهم في تخصيب الأرض وقيام الزراعة عليها من عصور قديمة جداً، أيضاً الانحدار الضعيف للوادي خفف من سرعة جريانه مما أتاح للمياه والسيول أن تتسرب للمياه الجوفية الضحلة في نطاق الدرع العربي (غرب الوادي)، وللمياه الجوفية الضحلة والعميقة في نطاق الرف الرسوبي (شرق الوادي). وأشار إلى أن عرض وادي الرمة متباين وهو في المتوسط يبلغ 2كم في محيط عقلة الصقور، ثم يتسع ليبلغ حوالي 3كم بين الجبلين (أبانات الأحمر وأبانات الأسمر)، ثم 3.5كم غرب الرس ، وما بين الرس والبدائع 5كم ، ثم يدخل مرحلة عنق الزجاجة بعرض 300م فقط عند منطقة الخنقة حيث زحفت رمال الشقيقة على مجرى الوادي ويقل العرض كلما اقتربنا من شمال عنيزة حيث المزارع على ضفاف المجرى ومن ثم يتسع مرة أخرى شمال شرق عنيزة بعرض متوسطي يبلغ 500م ثم يتسع عرضه أكثر إلى 1.5كم جنوب شرق بريدة حتى يصل منخفضات وقيعان يحير ويتجمع فيها وهي روضة الزغيبية شرق عنيزة وقاع الباطن شرق بريدة وسبخة غويمض جنوب شرق بريدة. روافد الوادي وظروفه المناخية وحول فروع وادي الرمة وروافده قال إن لوادي الرمة مئات الفروع الثانوية وعشرات الفروع الرئيسية التي تبقى جافة طول العام وأحياناً لأكثر من عام حتى يأذن الله تعالى بنزول أمطار غزيرة ومتواصلة لتجري لعدة أيام، مشيراً إلى وروافد الرمة تفوق الثلاثمائة رافد وشعيب ومن أهم روافده الشمالية: وادي الشِّعءبَة يصرف سيول جنوب حائل، ووادي القَهَد الذي يصرف سيول جنوب غرب حائل، وادي المَحَلاَني وينحدر من الشمال إلى الجنوب عند عقلة الصقور، وادي الجُرَيَّر (تصغير الجَرِير) يجري باتجاه الجنوب الشرقي ويلتقي بوادي ثادج فيتغير اسمه إلى وادي ثادج قبل أن يصب بوادي الرمة، وادي أبو نخلة شمال الرس.. أما روافد الرمة الجنوبية فهي: وادي الرَّقَب يبدأ من شرق حرة هُتَيءم، وادي الجفن، وادي الجَرِير والذي يجري من الجنوب إلى الشمال وهو من أهم روافد الرمة الجنوبية ويصب في الجَرِير، وروافد مهمة مثل وادي ساحوق، وادي طلال، وادي البحرة ووادي المياه، أيضاً من روافد الرمة الجنوبية وادي الداث الذي يلتقي بالرمة عند قرية القيصومة. وادي النساء ويجري من الجنوب إلى الشمال ويلتقي بالرمة عند محافظة البدائع .. وأضاف ان وادي الرمة نادراً ما يجري بكامل طاقته من غربه إلى شرقه والغالب ما يجري بعضه أو بعض روافده ما تلبث أن تنتهي وتتوقف في منتصف المسافة، والمؤرخون رصدوا جريان وفيضان الرمة عبر التاريخ القديم منها عام 1234ه وقد جرى الوادي لمدة 40يوماً، وعام 1253ه، وعام 1376جرى الوادي لمدة 22يوماً، وعام 1402ه جرى الوادي 17يوماً، وعام 1429ه ومازال يجري. والدراسات التاريخية توضح (بالتقريب) أن وادي الرمة يسيل بكامل طاقته حوالي ثلاث مرات كل مائة عام، ومع ذلك أقول لصانعي القرار المحلي والوطني أن هذا المعدل نستأنس به ولا نعتمد عليه إذ إن الكرة الأرضية تواجه تغيراً مناخياً سريعاً وخطيراً في بعض الحالات، وأصبحت عناصر الطقس خلال العقد الأخير أكثر حدة وقوة، إذ أن محطات الرصد الجوي في العالم تسجل أرقاماً قياسية جديدة في شدة الحر والبرد، والجفاف والمطر، وسرعة الرياح وتكرار الأعاصير. وحول ارتباط الوادي وتأثره بتغير المناخ العالمي يشير الدكتور المسند بأنه قد يقود تغير المناخ العالمي إلى هطول أمطار غزيرة ومتواصلة ومتكررة في وقت قصير وخلال موسم واحد في أرض العرب، منها أن وادي الرمة قد يفاجئ الجميع على حين غرة ويجري خلال الموسم الواحد أكثر من مرة بكامل طاقته أو يزيد، مما يجعل الجريان السطحي للوادي يفيض عن مجراه ويملأ كل قيعانه وفياضه الشرقية خاصة في ظل وجود السد الطبيعي المتمثل بنفود الثويرات والذي قد يجعل المياه ترتد مرة أخرى إلى الغرب حيث حواضر القصيم الكبرى لا قدر الله . وأشار إلى أن السد الطبيعي المتمثل في رمال الثويرات (عرضه 73كم) هو هبة من الله تعالى لقاطني المنطقة ليحجز كميات هائلة من المياه في شرق القصيم ولتتاح فترة أطول ومساحة أكبر للمياه لتتسرب لتكوينات المياه الجوفية لتغذيتها، ولينعم سكانها بهذا المخزون المائي الاستراتيجي حتى وقتنا الحاضر، هذا من جهة ومن جهة أخرى السد الطبيعي يعتبر خطراً جداً في حالة تكرار جريان الرمة أكثر من مرة في الموسم الواحد بكامل طاقته ، من هنا أدعو صانعي القرار والجهات ذات العلاقة بدراسة مناخية هيدرولوجية جيومورفلوجية شاملة عاجلة وعالية الدقة لحوض وادي الرمة لتقييم درجة الخطورة في المستقبل في ظل التغير المناخي العالمي.. والله يحفظ البلاد والعباد من كل سوء ومكروه.