فرض رحيل الإعلامي السعودي فهمي بصراوي (1922 2012) حدثيّته وسط رجال الأعمال والإعلام معاً، وتوافد المعزّون منذ أمس، على منزل الأسرة لتقديم المواساة في رحيل أول وجه سعودي عرفته الشاشة التليفزيون، ونبّه رحيل بصراوي عن تسعين عاماً إلى وجود فجوة واضحة بين أجيال الإعلاميين في المنطقة بشكل خاص، والمملكة بشكل عام، على الرغم من كون بصراوي واحداً من الذين انخرطوا في الإعلام المرئيّ المحلي الذي أسسته شركة أرامكو السعودية في منتصف القرن الماضي. ووصف الكاتب خليل الفزيع الراحل بصراوي بأنه كان يمثل”شخصية القيادي المثقف”، في إشارته إلى دوره وموقعه من تأسيس الزميلة صحيفة”اليوم”التي شغل فيها بصراوي منصب “نائب المدير العام” في البداية، وأضاف “هو ممن قامت الجريدة على أكتفاهم”وقال “عرفته منذ كنت محرراً في العدد الأول”لكن الفزيع يتذكر لبصراوي أكثر من ذلك؛ فقد “شاهدناه ونحن طلاب في تليفزيون أرامكو عبر برنامج المسابقات الذي كان بمثابة إطلالة ثقافية جاذبة للمثقفين في المنطقة”. كما أشار إلى دوره بوصفه “من أوائل الإعلاميين السعوديين، ومن أوائل موظفي أرامكو”. واستغرب الفزيع عدم معرفة الإعلاميين الجدد ببصراوي، معللاً ذلك ب “وجود قطيعة بين الأجيال”. ويشير إلى المضمون ذاته مدير محطة تليفزيون الدمام الحالي سعيد اليامي الذي ترحّم على الفقيد بصراوي متأفّفاً من “وجود فجوة بين الإعلاميين جعلت أكثرهم غير متواصل مع الروّاد، على الرغم من أنهم هم الذين مهدوا الطريق لنا”. في المدينةالمنورة ارتبط اسم فهمي بصراوي بالبدايات الأولى لتليفزيون أرامكو الذي تأسس عام 1957، أي قبل تأسيس التليفزيون السعودي الرسمي بخمس سنوات، لكن حياة بصراوي بدأت في المدينةالمنورة التي درس فيها ثم انتقل إلى جدة لاحقاً، وفي جدة شغل بصراوي وظيفة تعليمية حتى قدّم أوراقه للعمل بشركة أرامكو التي ابتعثته إلى الجامعة الأمريكية في بيروت ليعود حاملاً البكالوريوس سنة 1955 ويكون ممثلاً للعلاقات الحكومية في الشركة في جدة مدة سنة، وحين تأسس تليفزيون الشركة انتقل إلى الظهران وشغل وظيفة كبير المذيعين في المحطة ممضياً خمس سنوات. كانت إمكانات فهمي بصراوي اللغوية بارعة، وهو ما رشحه للعمل التلفزيوني، وبسبب ميوله الأدبية تولى إعداد وتقديم برامج خاصة بمحو الأمية في المنطقة الشرقية، وحملت عنوان “تعلموا العربية” تذاع ثلاث مرات في الأسبوع، وحين دخلت أجهزة التليفزيون منازل المواطنين لقي البرنامج رواجاً واهتماماً في المجتمع، لكن بصراوي قدم برنامجين آخرين كلاهما تعليمي، الأول في تعليم اللغة الإنجليزية والآخر في تعليم الرياضيات، كان بصراوي يطبق سياسة الشركة التثقيفية، وكان التليفزيون واحداً من الوسائل التي قدمتها الشركة ضمن مسؤوليتها الاجتماعية. وإلى جانب التليفزيون كانت هناك مجلة”القافلة”التي صدرت باللغة العربية لتهتمّ بالثقافة العامة، مع التركيز على ثقافة النفط، والصحة والسلامة. وبعد نجاح البرامج التعليمية اتجه بصراوي إلى برامج المسابقات الثقافية، وتنقلت كاميرا التليفزيون بين الظهران ورأس تنورة وبقيق لتشعل الحماسة بين موظفي الشركة في مسابقات متتالية. دور آخر لكنّ لبصراوي أدواراً متعددة انتظرته في منتصف الستينيات ومنتصف السبعينيات، فقد شارك في تأسيس الزميلة “اليوم” وشغل منصباً فيها، وفي عام 1976 ترك العمل في أرامكو واتجه للأعمال الحرة لينضمّ إلى رجال الأعمال، ويكاد يختفي من الواجهة الإعلامية، تاركاً للأجيال الجديدة فرصة الانخراط في العمل الإعلامي، فيما وقف بصراوي يراقب من بعيد، حتى ختم عقده التاسع، وأسلم الروح لبارئها أمس الأول. في برنامجه الأول »تعليم اللغة العربية»
برنامج المسابقات الذي كان نخبوياً في زمنه (أرشيف أرامكو)
التوعية الصحية كانت من الإعلام الجديد في الخمسينيات