يعاني المتقاعدون الذين بلغ عددهم في القطاعين الحكومي والخاص في نهاية العام الهجري المنصرم (643.503) متقاعدين موزعين على مختلف مناطق المملكة شخص، من رفض شركات التأمين منحهم مزايا التأمين الطبي بحجة كبر سنهم واحتياجهم إلى العناية الطبية المتواصلة، وارتفاع تكاليف توفير الخدمة الطبية لهم، الأمر الذي جعلها ترى أن التأمين لهم يسبب الخسارة، فيما لم تقدم لهم مؤسسات التقاعد ما يوازي خدمتهم الطويلة، وحتى الجمعيات الوطنية التي أُنشئت في السنوات الخمس الماضية لم تقدم شيئاً يذكر عدا بعض الاحتفالات السنوية التي تقدم لهم فيها هدايا رمزية، غالباً ماتتسبب لهم في حالات من الإحباط كإهدائهم ل»عكاز» أو «كيس نعناع» .. ثم «شكراً ما قصَّرنا معكم». لكل أجل كتاب أصيب المتقاعد سعيد الصبحي بنوبة قلبية أجرى على إثرها عملية جراحية تكللت بالنجاح، وقرر التوجه إلى شركات التأمين حتى يستفيد من التأمين الطبي ليجري فحوصات سنوية على صحته، لكن المفاجأة كانت عندما رفضت الشركة الأولى قبوله، واتجه بعدها إلى شركة أخرى.. وأخرى لكنه لم يظفر بمبتغاه.يقول الصبحي: «وقفت أمام أحد العاملين في شركة تأمين وأخبرته برغبتي في الاشتراك في التأمين الطبي فسألني هل تعمل في قطاع معيِّن قلت له لا أنا متقاعد قال لدينا تعليمات بعدم قبول المتقاعدين، وبعد أن الحِّيت عليه عن السبب قال لي مازحا لكل أجل كتاب، حينئذ فهمت مقصده وغادرت وأنا أقول في نفسي يا الله حسن الخاتمة.» معاناة مستمرة وبدأ المتقاعد عسكري علي جابر الراجحي من مكةالمكرمة حديثه عن رفض شركات التأمين المختلفة التعامل معه قائلاً بعبارة ملؤها الحزن والشكوى « فعلاً بدأت أشعر أن جميع الأبواب أغلقت في وجهي، ولم أعد أعلم ماذا أفعل، فمعاناتي استمرت أكثر من تسعة أشهر بعد رفض إحدى شركات تأجير السيارات الموافقة على منحي سيارة خاصة تعينني على قضاء حاجاتي وحاجات أسرتي المكونة من سبعة أفراد يعيشون سوياً في منزل بالإيجار في أحد الأحياء الشعبية في مكةالمكرمة. واستغرب الراجحي رفض شركات تأجير السيارات الموافقة على طلبه رغم أنه يستلم راتباً شهرياً من مؤسسة التقاعد، وقال: « في كل مرة أتقدم بطلب منحي سيارة خاصة أفاجأ برفضهم لي، خصوصاً إذا أخبرتهم أنني متقاعد»، مشيراً إلى أنه بدأ يتحاشى ذكر هذه الكلمة عندما ينوي التقدم بأي طلب كان عاماً أو خاصاً. وأشار الراجحي إلى أن معاناته لم تقف عند حد شركات السيارات، بل إن الأمر تعداه إلى مؤسسات التأمين الطبي التي هي الأخرى ترفض رفضاً قاطعاً تطبيق التأمين الطبي علي كبار السن وممن انتهت خدمتهم مثلي ومثل أسرتي ، مطالباً مؤسسة التقاعد بتفعيل دورها في هذه الناحية بشكل أكبر مما هي عليه، ومحاولة الوقوف مع المتقاعدين وحل مشكلاتهم والنظر في مطالبهم. أهداف ربحية ويوضح المتقاعد عبدالله لويفي القارحي أنه سئم مماطلات شركات التأمين، وبدأ فعلياً في محاولة الاعتماد على نفسه وعلى علاقاته في تلبية حاجاته ومطالبه، وقال: « سبعة أعوام مضت على تقاعدي من عملي في مديرية الشؤون الصحية بالعاصمة المقدسة، وأنا أتردد على شركات التأمين بهدف التأمين على سيارتي أو الحصول على تأمين طبي دون جدوى أو فائدة تذكر، لكنني اكتشفت أن تلك الشركات أهدافها ربحية وتبحث عن الفوائد المادية دون النظر لأي جوانب اجتماعية «. وشدد على أنه تقدم بطلب لجمعية المتقاعدين لمساعدته في تحقيق رغبته والحصول على تأمين طبي خاص له ولأسرته، لكن الجمعية اعتذرت له بلطف كونها مازالت تحاول الوصول إلى شركات تأمين توافق على منح المتقاعدين فرصة الحصول عليه، مشيراً إلى أنه قرر أخيراً الاستعانة بأحد أصدقائه للمساهمة في الحصول على تأمين رسمي بعد شرائه سيارة خاصة. الرعاية الصحية وقال المتقاعد محسن صالح : « قدمنا عملاً مشهوداً وملوساً لجميع الأجيال من بعدنا، حتى أصبحنا بفضل ننافس الدول المتقدمة في التقدم والتطور، وكل ما نأمله الاعتناء بنا ومنحنا حقوقنا، وأبرزها الرعاية الصحية التي ينشدها كل متقاعد عن عمله «، منوهاً إلى أن الكثير من المتقاعدين في القطاعات الأخرى يطالبون بحقوقهم من المؤسسة العامة للتقاعد، أو مؤسسة التأمينات الاجتماعية وتعاقد تلك المؤسستين الحكوميتين مع شركات تأمين طبي بمنح المشتركين بها تأمينات يحافظون بها على صحتهم عوضاً عن المبالغ الهائلة التي تتطلبها تلك الشركات في حال طلب المتقاعد حصوله على تأمين بشكل فردي. الجهات المعنية وشاركه الرأي المتقاعد من إحدى شركات القطاع الخاص فهد السلمي بقوله : « نستحق الالتفاتة من الدولة والجهات المعنية بالاهتمام بشكل أوسع بفئتنا ومنحها نظير ما قدمته من جهود وأعمال لهذا الوطن المعطاء الذي لا يبخل على أبنائه ورجاله الذين خدموه «، مؤكداً في حديثه على أن المتقاعدين يجدون دعماً كبيراً من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز, حيث يعد سموه الرئيس الفخري لجمعية المتقاعدين . مبالغ رمزية وأضاف السلمي» أن سموه الكريم عادة ما يرعى احتفالاتنا ويدعمنا بشكل يلمسه كافة المتقاعدين من رئيسهم الفخري، وصمام أمان الوطن، ونحن نأمل كل الخير من قيادتنا في منح أبنائهم ما يستحقونه، وأبرزه الرعاية الصحية «، لافتاً إلى استعداد أفراد تلك الفئة بدفع مبالغ رمزية كحالهم في أعمالهم سابقاً مقابل الحصول على تأمين طبي، والذي ترفضه الشركات نظراً لاحتمال تعرض المتقاعد لأمراض وغيرها تكلف الشركة الكثير من الخسائر، فضلاً عن مبالغتهم في أسعار الحصول على تأمين فردي بسبب التقدم في السن. اقتراح بسيط و قدم المتقاعد سعيد السبيعي اقتراحاً بأن يقدم كل متقاعد من المتقاعدين ال 600 ألف مبلغ رمزي يكون عبارة عن 150 ريال في الشهر بحيث يصبح المجموع ما يزيد على مليار ريال سنوياً، موكدًاً أن هذه المبالغ كفيلة بإنشاء شركة تأمين تقوم بمعالجة المحتاجين سنوياً وتكفيهم عناء الرفض الذي يجدونه من شركات التأمين. أمرغير مقبول ويقول المتقاعد منصور الغامدي والذي خدم بالتعليم أكثر من أربعين عاماً أنه لم يكن يتوقع أن تقابله كل سنوات التضحية التي قدمها في شبابه بهذا النكران موضحاً» من المهم أن يجد الشخص عندما يكبر من يرعاه صحياً وهذا هو المطلوب في مثل عمري، ولكن أن تتنكر لنا شركات التأمين وترفض التأمين علينا بحجة الأمراض التي يقولون إنها ستصيبنا، فهذا أمر غير مقبول. خصومات متواصلة وبيَّن رئيس فرع جمعية المتقاعدين بالمدينةالمنورة عبد العزيز علي ازمرلي أن إجمالي عدد المتقاعدين بالقطاعين الحكومي والخاص وصل بنهاية العام الهجري المنصرم إلى (643.503) ، موزعين على مختلف مناطق المملكة، وأن عدد التابعين للمؤسسة العامة للتقاعد إلى (523.630)، عدد الذكور منهم (492.866)، وعدد الإناث (30.764)، لافتاً إلى أن عدد متقاعدي القطاع الخاص والمسجلين بمؤسسة التأمينات الاجتماعية بلغ (119.873) متقاعداً، مؤكداً في الوقت نفسه أن نسبة المتقاعدين من القطاع الخاص إلى الحكومي وصلت إلى (22%). جهات خدمية ووصف إزمرلي جمعيات المتقاعدين بفروعها ال (16) بالمملكة بالجهات الخدمية على عكس المتواجدة بالرياض والتي تعد جهة حقوقية تبحث عن حقوق المتقاعدين والمتقاعدات، وتتابع مع الجهات والوزارات ذات العلاقة، منوهاً بأن أهم ما قدمته الجمعيات لتلك الفئة وأبنائها يتمثل في الحصول على خصومات بالمستشفيات والمراكز والمجمعات الطبية، وتشمل الكشف والتحاليل والأشعة والتنويم والعمليات الجراحية والولادة والعلاج الطبيعي، بنسب مختلفة، مشيراً إلى أن المستشفيات الكبرى تصل نسبة الخصومات المالية إلى (75%) . مميزات خاصة تخفيضات للمنسوبين وأكد ازمرلي أن الجمعية أقدمت على إجراء بعض التخفيضات لمنسوبيها داخل الفنادق والشقق المفروشة، ومحلات بيع الأدوات الكهربائية، والأدوات المنزلية، والشراء بالتقسيط مع المرونة في السداد، وكذلك التعاون مع بعض المكاتب، وقال: « الهدف من ذلك تقديم خدمات قانونية واستشارية للمحاماة والدفاع والمرافعات عن المتقاعد مجاناً في حال كون وضع المتقاعد المادي لا يسمح بذلك: «مشيراً إلى إضافة مميزات خاصة للمتقاعد وأبنائه بالمراكز الرياضية، وأيضاً مكاتب الخدمات العامة بحيث تكون مجانية للسنة الأولى وتتغير بعدها لتصبح نسبة الدفع (50%) بشكل ثابت. برامج ترفيهية ونوه عبدالعزيز ازمرلي إلى التعاون مع وحدة شؤون المتقاعدين بإمارة منطقة المدينةالمنورة لزيارات الجمعية لمحافظات ومراكز المدينة، وتكوين نشاط رجالي ونسائي يسمح باستحداث وعمل برامج ترفيهية للمتقاعد، مؤكداً تضمين رحلات سياحية وأثرية لبعض الأماكن، منها العلا ومدائن صالح، وغيرها، وقال : إن أبرز متطلبات المتقاعدين تتمثل في خطابات توصية بإمكانية عملهم بعد التقاعد، وأن وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي عملت على التعاون مع الجمعية بتوظيف عدد كبير من المتقاعدين في العام المنصرم، وفي هذا العام طلب عدد قليل من المتقاعدين خطابات توصية مماثلة لبعض الجهات الحكومية الأخرى . نسبة المخاطرة وأكد مدير شركة أوتو ستار لبيع السيارات في مكةالمكرمة محمد المخلافي أن مايدفع البنوك وشركات التموين والتأمين إلى عدم التعامل مع المتقاعدين هو تفكيرها في نسبة المخاطرة التي ستقع على الشركة أو البنك نفسه ضد نفس العميل، وذلك من طريق ارتفاع نسبة موته إلى حياته، بالرغم أن الأعمار بيد الله ، مشدداً على أن هذه الحسابات تفكر فيها تلك الشركات، والتي تندرج تحت اسم المخاطرة البنكية. تعامل حذر وأوضح المخلافي أن معظم الشركات خصوصاً التأمين لاتنظر إلى ماهو فوق سن الخامسة والستين، بل إنه ولوقت قريب كانت لا تنظر أبداً لمن هو فوق سن الستين، مؤكداً أن هناك بنكاً واحداً فقط وهو الذي يضمن التعامل مع هذه الفئة العمرية، وقال: « شركات إيجار السيارات تتعامل مع المتقاعد، ولكنها بحذر شديد ووفق شروط محددة منها ألايقل راتبه التقاعدي عن ثلاثة آلاف ريال، وألا يتجاوز عمره 65 عاماً، كما أنها تشترط عليه أن يضع وكيلاً شرعياً يقوم بالسداد عنه حال وفاته. حياة المتقاعد ورأى المخلافي أن على شركات التأمين أن تؤمِّن على حياة المتقاعد، لافتاً إلى أن هناك شركات تؤمِّن على قيمة التأمين وعلى العميل نفسه، بل إن بعضها تعفيه حال وفاته أو حال إصابته بجز من الأقساط المترتبة عليه، فما المانع من أن تؤمِّن على حياة المتقاعد أو تعامله نفس معاملة الإنسان العامل. 17 ألف متقاعد وأوضح مدير عام الجمعية الوطنية للمتقاعدين الدكتور عبدالرحمن بن محمد الشريف أن عدد المنتسبين للجمعية يبلغ 17 ألف متقاعد ما بين عضو عامل ومنتسب، وقال: «لدينا مطالبات حقوقية واجتماعية نسعى إلى تحقيقها مع كافة الجهات المختصة مثل مؤسسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية والضمان الاجتماعي ونسعى إلى تذليل كافة الأمور التي يحتاجها المتقاعدون.» وأضاف الشريف «جميع المتقاعدين يحصلون على حقوقهم إلا البعض ممن تقل رواتبهم عن 3000 ريال ويجري التنسيق مع مصلحة الضمان الاجتماعي وندرس حالياً الحالات التي يجد الضمان انها تتطلب رفع راتبها إلى سقف 3000 ريال وفي حالات ترفع على أكثر من ذلك. قضية التأمين وعن التأمين الطبي قال الشريف «الجمعية تسعى جاهدة وتبذل قصارى جهدها في قضية التأمين الطبي للمتقاعدين وحضرت لجنة تحضيرية و-إن شاء الله- سيتم قريباً ونحن لا نوعد بذلك ولكننا في الجمعية نبذل جهودنا في سبيل الحصول على التأمين الطبي لهم. مبيناً أنهم لا يستطيعون إلزام شركات التأمين الطبي ولكن علمهم كله عن طريق وزارة الصحة مشيراً إلى أن القرار استراتيجي لا تستطيع حتى وزارة الصحة البت فيه. نظام التقاعد تدرس هيئة الخبراء بمجلس الوزراء نظام التقاعد الجديد والذي يحمل آمال أكثر من 600 ألف متقاعد لتلبي عدد من الاحتياجات والتي من أبرزها التأمين الصحي والذي بات بالأمر المقلق للمتقاعدين كونه يستنزف الأموال التي جمعوها ويحرمهم من حق يرونه مشروعاً بعد أن مضت أجمل سنوات عمرهم في خدمة الوطن سواء بالقطاع الخاص أو العام. حفل المتقاعدين الأخير في جدة واجه عزوفا من المتقاعدين «تصوير: يوسف جحران»