كان هناك رجل طيب في قريتنا اسمه رفيع رحمه الله، وهو أول من غزا القرية المباركة فكرياً في أذنيها، عندما اشترى جهاز (رادي) وكان يتعمد رفع الصوت حينما يؤذن لصلاة المغرب من مكةالمكرمة؛ كي يستمتع بفضول القرويين الذين كانوا يتركون ما في أيديهم بعد أن بهرهم هذا الساحر العجوز بخروج أذان مكةالمكرمة من بيته، وبعد انتشار الرادي أصبح رفيع العجوز رائداً من رواد القرية!! ثمة تشابه كبير بين ريادة رفيع وريادة أمانة منطقة عسير؛ فتفكير أهل قريتنا في تلك الحقبة الطيبة لا يختلف كثيراً عن تفكير الذين جاءوا بطائرة برمان إلى أم الركب؛ إذ لا يزال هؤلاء يعتقدون أن السذاجة طاغية في عسير إلى حد إثارة الفضول وجلب الزبائن لمشروع استثماري بطائرة خردة، وما أحلى الحنين لزمن رادي رفيع!! نصف أطفال عسير ركبوا الطائرة، ونصفهم الآخر تجاوز تفكيره الطائرة بسنوات ضوئية؛ أما الكبار فهم مشغولون بما هو أهم من طائرة خردة يتم إحضارها لحساب فلان المستثمر، ولديهم كثير من الأفكار المميزة والرائعة والعصرية لو أُخذ رأيهم.. حصيلة الرحلة أراها أكثر من رائعة بالرغم من كل ما شابها؛ هي رائعة لأنها كشفت لنا أيضاً عن مشكلات أسلاك وأعمدة شركة الكهرباء، وكذلك ضيق الطرق وعشوائية الأرصفة، وهذه فوائد أتت مجاناً على أجنحة طائرة برمان، والخير في عطف الشر كما يقولون!! كتاب برمان هو مثل شعبي يتندر به الناس عن رجل اسمه برمان حمل خطاباً لا يعلم ماذا فيه، وعندما وصل الخطاب فوجئ بأن فيه أمراً بقطع رأس حامله، وفي رواية أخرى يقولون طائر برمان، وهو صقر أطلقه صاحبه ليصطاد له فعاد بحية محترمة وألقاها على صاحبه من السماء.. «الله يسد بك فجرة يا برمان». أخيراً الطائرة لا تزال تثير الدهشة في بعض المسؤولين لدينا، مثلما كان رادي رفيع يثير دهشة قريتنا المباركة، وبإمكانكم حساب المسافة الزمنية تحت سطح الجمجمة بين الذين يعيشون دهشة طائرة خردة، وبين الذين تجاوزوا هذا الاندهاش البدائي منذ عقود طويلة.. شكراً برمان لقد وصلت الطائرة، وغاب رادي رفيع!!