طوال السنوات الخمس التي مضت على زواجها كانت العلاقة بينها وبين زوجها طيبة، مع ما كان يشوبها بين الحين والآخر من مشكلات تنغص عليها حياتها لبضعة أيام، ثم تعود المياه إلى مجاريها، ولكن الحال ازداد سوءا في الأشهر الأخيرة، وصارت تشعر بعدم السعادة في معظم أيامها، وضاقت بها الدنيا مع رحابتها، وقلبت في رأسها الوضع برمته، واستعرضت كل الطرق التي كانت تسلكها لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، فوجدت أنها بحاجة ماسة لمشورة من هو أكثر حكمة منها، وقريتها لم يكن بها من الحكماء الكثير، ومع ذلك كانت خائفة من أن تسري في القرية أخبار خلافها مع زوجها، كما خشيت أن تستغل بعض النسوة ذلك وتتقرب إلى زوجها فتخسره إلى الأبد، ولم يقطع عليها سرحانها سوى تحية ألقتها عجوز معروفة في القرية بدهائها ورجاحة عقلها، ردت عليها التحية بمثلها، فرمقتها العجوز بنظرة شعرت من خلالها الشابة وكأن السر الذي تحاول أن تخفيه مكشوف أمام هذه العجوز التي مضت في طريقها تتوكأ على عكازها وظهرها المحني إلى الأمام يحمل حكمة السنين وخبراتها، وكانت كلما ابتعدت العجوز زادت الرغبة عند الزوجة الشابة في اللحاق بها، طرقت الباب الذي لم يكن مغلقا أساسا ثم دفعته ودخلت لترى وجها أناره فم باسم يتحرك به لسان عذب الكلام، وبداخله بقايا أسنان كأنها أعمدة مسرح روماني قديم كانت به في يوم من الأيام حياة زاخرة بالنشاط والحيوية، حيتها العجوز وطلبت منها الجلوس وسألتها عن سبب حزنها وهمها، فأخبرتها بسوء العلاقة بينها وبين زوجها، وأنها صارت عاجزة عن التواصل معه، وطلبت من العجوز وصفة تعيد الصفاء لحياتها، فقالت العجوز: لك عندي وصفة ستعيد السعادة لحياتك، ولكني لن أعطيها لك إلا إذا جئت لي من ظهر ذئب القرية بشعرة، فقالت الشابة: وكيف لي وأنا امرأة ضعيفة أن آتيك بشعرة من ظهر ذئب شرس لم يقدر عليه شباب القرية الأقوياء؟ ردت العجوز بهدوء شديد قائلة: هذا شرطي، أحضري لي شعرة من ظهر الذئب وأنا سأعطيك وصفة تعيد الصفاء لحياتك مع زوجك، خرجت الشابة حائرة مهمومة ولكنها مع ذلك كانت تفكر بطريقة تصل بها لظهر الذئب دون أن يفترسها، وانتهى بها التفكير إلى أن تلقي له بقطعة من اللحم كل يوم ومن بعيد دون أن يراها، ثم صارت تلقي له قطعة اللحم من بعيد أيضا ولكنه كان يراها، حتى ألف وجودها، ثم صارت تلقي له قطعة اللحم عن قرب، فإذا أكلها اقترب منها يعبر لها عن شكره وامتنانه، ولاحظت أنه كان ينتظر مجيئها، ثم صارت المسافة بينهما قريبة جدا، ولم تعد تخشاه فقد كانت علامات سعادته بقربها كبيرة، وانتهى بها المطاف إلى أن صارت تطعمه بيدها، عندها أخذت الشعرة من ظهره وعادة للعجوز مسرعة، فأخبرتها القصة كاملة، فقالت لها العجوز: من امتلكت القدرة على ترويض ذئب شرس قادرة بلا شك على حسن التعامل مع زوجها، اذهبي لدارك وفكري بالطريقة نفسها التي قربتك من الذئب حتى صار صديقا حميما لك، عندها لن تعدمين الوسيلة التي تقرب زوجك منك، ولن يكون زوجك أكثر شراسة من ذلك الذئب، تذكري فقط أنك حين كان هدفك الوصول لظهر الذئب، فكرت بكل الطرق الموصلة لذلك وتغلبت على خوفك بحسن تفكيرك، وتأكدي أنك ستصلين لمرادك مع زوجك لو امتلكت نفس الحكمة والهدوء والشجاعة.