يقال إن سيبويه عالم النحو الشهير (ترك يوماً من الأيام سيادة علماء البصرة وذهب ليكسب الحظوة عند خالد بن يحيى البرمكي وزير هارون الرشيد فالتقى مع الكسائي زعيم الكوفيين ودارت بينهما مناظرة أمام الوزير في المسألة الزنبورية الشهيرة وقد هُزم سيبويه شرّ هزيمة وأذله الكسائي أمام الحضور، مع أن الحق كان مع سيبويه إلا أن شهادة الأعراب رجّحت كفة الكسائي على سيبويه ظلماً وبهتاناً لعل دافعهم من ذلك هو كسب رضا الكسائي، خرج سيبويه هائماً لا يدري أين يذهب، فلا يستطيع العودة إلى البصرة وقد تركها من قبل ولا يستطيع البقاء. توجه إلى بلاد فارس ومات من الهم والغم) وقبل أن يموت قال هذه الأبيات. يؤمل دنيا لتبقى له ** فمات المؤمل قبل الأمل حثيثاً يروي أصول الفسيل ** فعاش الفسيل ومات الرجل هل كان سيبويه يعتقد قبل أن يموت أن شهرته ستسير بها الركبان إلى كل مكان؟ هل كان يعتقد أن العلماء في العصور التي تلت الذين برزوا في هذا الفن كانوا ممن تناولوا كتابه بشيء من الشرح أو تسطير الحواشي أو قراءته على أقل تقدير؟ هل كان يعتقد أن خامس لغات العالم المعتمدة في الأممالمتحدة اليوم كان مرجعها الأساسي ذلك الكتاب؟. إن سيبويه نموذج للنجاح الحقيقي فلقد أعطى غايته وهو علم النحو كل ما يملك حتى الحياة ذهبت في سبيل ذلك الهدف، ولذلك يقول بعض العلماء في هذا العصر إن سيبويه من أجلّ العلماء السابقين، قصة ذلك الرجل ونتاجه الفكري يجب أن تكون إلهاما لشباب هذا العصر فلا يولد النجاح إلا بتحديد الهدف والتضحية من أجله، وسنة الحياة هي الرحيل يوماً ما فمن ترك إرثاً يكون له رافداً في آخرته وكنزًا لمن بعده فقد حاز الشرف العظيم.