فتحت قضية فقدان الطفلة جوري «خمس سنوات» أمس الأول، المصابة بمرض التوحد، التي عثر عليها غريقة في شاطئ بالجبيل الصناعية، المطالبات من المجتمع من جهة والمراكز التأهيلية من جهة أخرى، بضرورة عقد الدورات التأهيلية والتدريبية في كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات، وتوعية المجتمع وتثقيفه حول التعامل معها، في حين كشفت القضية قصوراً واضحاً بين المؤسسات الصحية والتربوية والنفسية والمهنية المعنية بخدمات ذوي الاحتياجات الخاصة. ففي الساعة الخامسة قبيل مغرب أمس الأول، فقدت أسرة في محافظة الجبيل طفلتها التي تعاني من مرض التوحد بعد أن غابت عن المنزل الذي يقع في حي دارين بالجبيل الصناعية، ما دفع الأسرة والجهات الأمنية إلى المسارعة للبحث عنها في محيطهم الخارجي القريب من البيت، وما إن حل الظلام إلا ودخلت الأسرة في دوامة قلق، ليبدأ حراك شعبي من سكان المحافظة للبحث عنها علَّهم يجدون بارقة أمل في العثور عليها سالمةً غانمة بمساندة الجهات المعنية، في وقت كانت الأسرة قد قدمت خلاله بلاغاً رسمياً عن الحالة. كشف والد الطفلة الفقيدة «جوري الخالدي» أن طفلته ذات الخمس سنوات تعاني من مرض التوحد، حيث يتم معالجتها عبر جلسات متخصصة في مركز متخصص بالجبيل الصناعية بشكل أسبوعي، ويضيف ل «الشرق»، إنها لم تكن المرة الأولى التي تغيب ابنته فيها عن المنزل، فقد سبق أن غابت وقمنا بالبحث عنها وتم العثور عليها، ولأنها مريضة بالتوحد وأحياناً لا تعلم أين تذهب، ولا تتكلم بطلاقة، وبالتالي تنسى نفسها وهي تحب المشي ولا تخاف من البحر والسباحة، إضافةً إلى أن البحر يحيط بهم من ثلاث جهات. ويضيف والدها: استعنَّا بالجيران للبحث وأحسسنا أن جوري غابت فعلاً وابتعدت عنا كثيراً، ومن هنا بدأنا بالبحث في الشواطئ والمتنزهات القريبة من الحي ولكن بلا فائدة، كما كان لإعلان فقدها في موقع التواصل الاجتماعي تويتر بالغ الأثر في وجود المتطوعين الذين هبوا للبحث عنها. ومع تفاعل عديد من المتطوعين في البحث عن الطفلة جوري خاصة بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار حول فقدانها، حيث تشكلت فرق تطوعية من كل الجهات مستعينةً بالكلاب البوليسية من خلال رائحة ملابس الطفلة، إلا أنه وحتى ساعات متأخرة من الليل لم تفلح تلك المحاولات، حتى دارت الشبهات حول اختطافها من قبل بعض الأشخاص العاملين من الجنسية الآسيوية، ليتضح فيما بعد عدم علاقتهم على الإطلاق بتلك القضية وفقدان الطفلة. ومع ساعات الفجر الأولى لم ييأس الجميع، وسط سهر أهالي الفقيدة جوري، من عدم العثور عليها طيلة أكثر من ست عشرة ساعة، ومع شروق الشمس استبشر الجميع خيراً في أن العائق الوحيد لعدم العثور عليها هو الظلام، إلا أنه وبعد مرور ساعتين من الصباح لم يتم العثورعليها رغم وجود أعداد ليست بالقليلة من المتطوعين والجهات الأمنية التي مشَّطت الموقع. وفي الساعة الثامنة صباحاً من اليوم التالي استنفرت الجهات الأمنية وسط حضور للمتطوعين في كل أرجاء الجبيل والمناطق القريبة من الحي، وبعد عدة محاولات شاهد المتطوع مطحس الدوسري عند الساعة الثامنة وخمس وخمسين دقيقة، وبرفقة آخرَيْن وهما المتطوعان عمر آل سالم وسلطان الغامدي، جثة الطفلة جوري بجوار الشاطئ ملقاة، حيث اتضح عليها أنها متوفاة منذ ساعات طويلة، ليتم على الفور إبلاغ الجهات الأمنية والإسعاف التي انتقلت للموقع ونقلت الجثة إلى المستشفى وسط انهيار كبير من قبل والدها الذي لم يتحمل منظرها في تلك اللحظة. وأوضحت شرطة المنطقة الشرقية على لسان ناطقها الإعلامي العقيد زياد الرقيطي، أنه عند الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم التالي، تم ملاحظة الطفلة من قبل أحد المواطنين متوفاة غرقاً في شاطئ طيبة بمحافظة الجبيل، فيما باشر المختصون الانتقال إلى الموقع، وجرى إشعار حرس الحدود لمباشرة الواقعة بحكم الاختصاص. وما إن غابت شمس اليوم التالي من مغرب أمس، حتى أدى جموع المصلين الصلاة على الفقيدة جوري، ليتم بعدها تشييع جثمانها في مقابر الجبيل البلد، وسط حشود شعبية كبيرة حضرت لتواسي أسرة الفقيدة في مصابها الجلل، تاركين خلفهم أكثر من علامة استفهام حول السبب الرئيس الذي أدى إلى تلك النهاية المؤلمة، التي راح ضحيتها طفلة تعاني من مرض يتطلب دعماً نفسياً ورقابياً. الدكتور علي الزهراني استشاري وأستاذ مشارك ورئيس قسم صحة المجتمع في كلية الطب، أوضح أن التوحد يعد اضطراباً في النمو العصبي، ويؤثر على التطور من حيث التواصل الاجتماعي مع الآخرين، حيث نجد أن من يعاني منه لديه تأخر في اللغة مع عدم القدرة على استخدامها مع الآخرين لفهم الجانب الاجتماعي للغة، إضافةً إلى نقص في المهارات الاجتماعية كتأخر في النمو الاجتماعي، وتحديداً فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية ثم التخيل، حيث نرى عدم المرونة في التفكير والسلوك وفقدان القدرة. وأشار الزهراني إلى أن مريض التوحد بحاجة إلى تعليم منظم ومستمر، وهنا علينا أن ننبه إلى أن الطفل «العادي» في سن خمس سنوات بحاجة إلى رعاية ودراية من قبل الوالدين لعدم نمو «التآزر البصري الحركي» في هذا السن، وبالتالي فإن الطفل التوحدي يحتاج إلى رعاية أكبر نظراً لأنه يعاني من نقص حاد وشديد في بعض السمات والخصائص والقدرات كالذكاء والتخيل…إلخ، ولذا هنا.. فالمسؤولية بلا شك تقع على عاتق الأبوين. أظهر المواطنون في الجبيل وقفتهم إلى جانب أسرة الخالدي المنكوبة في طفلتها «جوري». وبدأ المعزّون يزورون الأسرة في منزلها، منذ مغرب أمس. واستقبل المعزين والدها أحمد الخالدي الذي اعتبر أن حضور أهالي الجبيل ووقفتهم الجادة من أول لحظة لفقدان الفقيدة جوري إلى حضورهم مقر العزاء خفف عليه حزنه، وتقدمت رابطة إعلامي الجبيل برفقة جريدة «الشرق» بعد عشاء أمس بتقديم واجب العزاء في وفاة الفقيدة جوري. يذكر أن الصلاة تمت على الفقيدة جوري في جامع ابن مسعود بالمساندة بالجبيل الصناعية بينما تم الدفن في مقابر الجبيل البلد.