دوام الحال من المحال هكذا هو حال الدول الكبرى التي كانت لها الهيمنة على مصير البشرية، فمنذ فجر التاريخ كانت هناك حضارة على ضفاف النيل في مصر استمرت حتى ظهور قوة الفرس التي أزاحت حكم الفراعنة في عقر الدار التي انهارت لاحقاً أمام عسكرية الإسكندر الذي لم ينعم بالمكاسب التي وزعت على كبار قادة جيشه الذين لم يستمروا طويلاً أمام قوة الرومان الصاعدة حديثاً لقيادة العالم القديم. ومع قيام الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة تم إزاحة الروم بأخلاق الإسلام في أغلب معسكراتهم ومع نهاية الخلافة الراشدة تم التسابق والتناحر وإعلان كل فريق أنه الوريث الشرعي للخلافة فى البداية كان الجهاد والقتال والفتح لصالح كيان الدولة الإسلامية لمن يقف فى طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ثم بالتدريج تحولت هذه الفتوحات إلى ساحة للأمجاد الشخصية وتوسيع دائرة الملك ومن وريث إلى وريث ذهب الملك إلى بلاد عثمان أرطغرل الذي أسس الدولة العثمانية وإعلانها أنها الوريث الشرعي للخلافة ومع إعلان فتح القسطنطينية عام 1453 م أصبحت الدولة العثمانية صاحبة الكلمة المسموعة ومع تزايد عدد ولاياتها إلى29 ولاية عثمانية أضحت قوة لا تقاوم الا بتقادم الدهر وظهور الإنجليز ومن بعدها الثورة الفرنسية والتنافس بينهما على أملاك رجل أوروبا المريض (السلطان العثماني آنذاك) الذي أعلن لحده رسمياً بانتهاء الحرب العالمية الأولى وتنصيب إنجلترا مملكة لا تغيب عنها الشمس حتى كاد التاج البريطانى أن ينكس أمام طموح الرايخ الثالث الذي أجبر لندن على الاختباء تحت الأنفاق حتى استطاع الإنجليز بمساعدة الروس شرقاً والأمريكيين غرباً إجبار الفوهرر على الانتحار وهنا ظهرت القنبلة الذرية التي دمرت اليابان لتنهي الحرب العالمية الثانية بتنحي بريطانيا العظمى جانباً وهيمنة صاحبة السلاح الجديد حتى استطاع السوفيت تصنيع قنبلة مماثلة لعمل التوازن الدولي فكانت الحرب الباردة بينهما وتنافسهما نحو الفضاء والسلاح وحرب الشيوعية والرأسمالية التي انتهت بتفكك الاتحاد السوفيتي وأصبحت «ماما أمريكا» بلا منازع سيدة العالم الأولى حتى إشعار آخر… ولكن أين نحن من كل هذا؟ العالم الآن يتغير والكل يسعى لعودة أمجاده فنرى روسيا بوتين تسعى لإعادة أمجاد السوفيت وما يحدث في أوكرانيا ومساعدتها مالياً قبل الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش واستبسالها حالياً فى جزيرة القرم ضد أمريكا والاتحاد الأوروبي الذي يسعى لضمها غرباً بدلاً عن الشرق بمساعدة رجل أوروبا القوي حالياً ميركل الساعية لعودة ألمانيا لسابق عصرها مع ذهاب فرنسا إلى ممتلكاتها الحصرية في إفريقيا رغم العدل والأخوة والمساواة نجد تدخلها عسكرياً في مالي ثم إفريقيا الوسطى واستمرار التغلغل الثقافي في شمال إفريقيا تأكيداً لأطماع عسكرية وتنافسها كما السابق مع إنجلترا التي تستميت للدفاع عن المملكة المتحدة بعد إعلان إسكتلندا استفتاء 2014 بالاستقلال أو الاستمرار مع المملكة المتحدة. في منطقتنا العربية لسنا في منأى عن الأحداث حيث تسعى إيران وإن اختلفت الطريقة لإعادة أمجاد الفرس والهيمنة على المنطقة والخليج العربى المسمّى عندهم بالخليج الفارسي والتي تقابلها تركيا وحلم الملك الإسلامي المعروف عندهم بالخلافة العثمانية بعد وصول إخوانهم في مصر وتونس ودعمهم في سوريا وترقب مصير ليبيا حتى يصبح الريموت في يد أنقرة. وسبقت الصهيونية الجميع بتجميع شتات الماضي البائد وأصبحت كياناً ووجوداً بالأمر الواقع داخل بلاد العرب. مع الأسف العالم يبكي على أمجاده وأطماعه السابقة وهذا حقهم المشروع فكل طرف يريد أن يكون صاحب السيادة والهيمنة وفي عالم السياسة هذا شيء مشروع ومقبول ولكن غير المقبول أن ننسى نحن أمجادنا ونظل فى انتظار ما سوف تؤول إليه النتائج دون حراك فالعالم يتحرك ويجري ويتسابق ويتناحر ونحن نجري في الثبات العالم يبكي على أمجاده مع الاجتهاد ونحن نبكي على أمجادنا دون اجتهاد… مع الأسف سيظل العالم فعلاً وسنظل نحن رد فعل منعدم التأثير حتى إشعار آخر.