كثيراً ما نسمع فى تحاورنا عن عدل عمر وأمجاد الخلافة الإسلامية، وهل ممكن أن تعود الخلافة الراشدة فى هذا العصر الذي يختلف تماماً بمتغيراته عن عصر الخلافة الأولى؟ طالعت تكهنات صحفية أن نهاية ديسمبر 2013 قد يشهد ولادة فكرة النقد الخليجي الموحد بين أربع دول، وأيضاً تابعت قمة الخليج في الكويت والكلام عن اتحاد عربي عارضته بعض الدول وتحفظت الأخرى، وبغض النظر عن مدى مصداقية هذه التكهنات إلا أنها تعطي بصيص أمل لوحدة اقتصادية وإن كانت محدودة حالياً، أن تتسع لتشمل كل البلدان العربية لمَ لا والاتحاد الأوربي قد بدأ بفكرة ونشأ وترعرع إلى أن أصبح قوة اقتصادية وسياسية هائلة، وهذه هي الخلافة بمفهوم العصر الحديث. عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وهيمنة الولاياتالمتحدة على العالم بمفردها كان لابد أن يكون هناك توازن للقوى، وأن تكون هناك دولة قادرة على الصمود أمامها، فكان الاتفاق على اتحاد مجموعة دول من أجل الصمود وأيضا تقاسم (كعكة) العالم الجديد لأن أنموذج الاستعمار القديم (إنجلترا وفرنسا) لم يعد مقبولاً بعد اليوم. وبالفعل تم توقيع معاهدة (ماسترخت) في هولندا عام 1992 وبموجبها تم الإعلان عن ميلاد الاتحاد الجديد اقتصادياً إلى أن تمّ إقرار العملة الموحدة (اليورو) في عام 2002 والآن يتداول داخل 17 دولة من أصل 27 دولة في الاتحاد وداخل 6 دول خارج الاتحاد وهذا سر نجاحه واتحاده، حيث إن حليفك الاقتصادي وشريكك المالي لا يمكنك أن تعاديه أو أن تتمنى سقوطه لأنك سوف تضرر تماماً كما تضرر هو فتظل محافظاً على استقراره وقوته وتماسكه، وهذا هو سر قوة الاتحاد الأوروبي لأنه في الأساس فكرة اتحاد سياسي قوي ولن يكون هناك اتحاد سياسي قوي دون اتحاد مالي واقتصادي قوي، وفي الاتحاد قوة فمثلاً لو اتخذت إنجلترا موقفاً معيناً فإن صوتها لن يكون مؤثراً بالقدر الذي كان عليه سابقاً ولكن الآن لو تبنّى الاتحاد الأوربي موقفاً فطبيعي أن يكون صاحب كلمة مسموعة وذات وزن وقيمة، وهذا سر قوته ونحن نرى الآن كيف يتم توزيع ثروات العالم بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لأنهم الأقوى سياسياً لأنهم متحدون مالياً ولكن ما دخل هذا كله بالخلافة الإسلامية؟ إن (فكرة) الاتحاد الأوروبي هي نفس (فكرة) الخلافة الإسلامية في العصر الحديث وإن جوهر فكرة الخلافة هو الاتحاد نحو هدف محدد، يجمع شعوب الأمة الإسلامية والعربية يجمعهم مالياً فنرى الجنيه المصري يستطيع بمساعدة الريال السعودي ودعم الدرهم الإماراتي والدينار التونسي والليرة السورية أن يصمد أمام الدولار واليورو، فلن يجدوا مفراً إلا الركوع أمام العملة الوليدة فيتحقق التكامل الاقتصادي العربي فلن تجد وقتها فقيراً فى بلاد العرب، ويجمعهم سياسياً فيكون لهم كلمة مسموعة خارجياً فلن نقبل وقتها أن يكون حل مشكلاتنا خارجياً بإيدي غيرنا، ولكن القرار سيكون عربياً ونحن من نقرر مصيرنا بل أقول أكثر من ذلك إننا نستطيع أن نرجح كفة أي طرف خارجي إذا أيدناه ووقفنا بجواره، وننسى وقتها كلمة نشجب وندين ونرفض ونندد ونستبدلها بكلمة نقرر ونفعل. ليس ضرورياً أن نطبق تجربتهم كاملة كما فعلوها فقط ممكن أن نقتدي بالفكرة ونطبقها مع ما يتناسب مع هويتنا وثقافتنا وطبيعة بلادنا، نحو الاتحاد فنحن لدينا مقومات الاتحاد أكثر من غيرنا فنحن نتكلم لغة واحدة ونعتنق ديناً واحداً، وكان بيننا فى يوم ما اتحاد وتحالف وأثبتت التجربة التاريخية نجاحه حيث كانت لنا السيطرة والهيمنة بأخلاقنا وتسامحنا ووسطيتنا على نصف العالم القديم تقريباً. ترى هل سأرى يوما ما العملة العربية الموحدة والسوق العربية المشتركة والاتحاد العربي الجديد…أتمنى ..ولكني مع الأسف لا أتوقع حدوثه.