دقت ساعة المنبه مطلقةً صوت رنينها المزعج لتعلن وصول السادسة صباحاً ولتوقظ صاحبها الذي مد يده ليوقف جرسها المتصاعد ويقوم من سريره بعد لحظات استرخاء وتأمل قصيرة. انطلق يستحم ويتناول إفطاره مؤدياً طقوسه الصباحية المعتادة. لبس ثيابه وخرج من بيته مبتسماً لرؤية الشمس المتألقة كعادتها ومتفائلاً بقضاء يوم جميل يؤدي فيه عمله اليومي مشاركة منه في تحريك عجلة النهضة البشرية كغيره من المليارات على سطح الأرض. ركب سيارته وبدأ بالتحرك ورأى حينها جاره فابتسم في وجهه وتمنى له يوماً سعيداً. صادف عند الإشارة سائقاً يود الانعطاف إلى اليمين فسمح له بكل رحابة صدر. أشار له السائق بيده لتحيته وعلامات الحرج تعلو قسمات وجهه. وصل وظيفته مبكراً وأوقف سيارته في الموقف الخاص به. أخذ معه كيس قمامة يستخدمه في سيارته لجمع المخلفات ورماه في سلة القمامة. لمح وجود قطعة من الأكل مرمية على جانب الطريق فقطب حاجبيه غضباً وأخرج منديله ورفع القطعة ووضعها في سلة القمامة. دخل مكتبه وصب له كوباً من القهوة وتنفس رائحتها بشوق منقطع النظير وجسده العاشق يتوق لمزج ذراته بذراتها المنعشة. بدأ يرتشف القهوة ويمزجها بخدمة المراجعين في جد ونشاط. كان أميناً جداً في عمله ويؤمن بمبدأ إتقان العمل رغبة منه في إثبات وجوده في خارطة البشر بالرغم من عمله المكتبي المتواضع. أتاه أحد المراجعين وأعطاه معاملته ليتصفحها بدقة ويطالع كل ورقة بحرص شديد. انتهى بعد لحظات إلى رفض المعاملة لعدم اكتمال الشروط بعد مراجعة القانون الخاص بوظيفته. ابتسم في وجه المراجع وطلب منه توفير ورقة تثبت تحقق شروط السلامة والأمان في منشأته. تردد المراجع وبين أن ذلك سيكلفه كثيراً من المال وأنه يعاني من تسديد قروض متأخرة وبأنه سيكون كريماً معه لو ساعده في معاملته. ابتسم في وجهه وطلب منه بكل احترام إحضار الورقة المطلوبة لإنهاء المعاملة ونصحه بعدم استخدام أساليب ملتوية قد تضره قانونياً. نهض المراجع بغضب ومضى في طريقه هو يلعن هذه الأمانة التي ستكلفه ثمناً باهظاً. أكمل يومه في العمل بجد وبنشاط وهو يستقبل المراجعين ويبذل المستطاع لإنهاء معاملاتهم. خرج من عمله بعد انتهاء الدوام وركب سيارته متجهاً إلى البيت. تذكر وهو يقود سيارته بين السيارات بحضارية وجوب زيارة صديقه المريض في المستشفى. حمل معه باقة من الورد وذهب لعيادة صديقه ورفع من معنوياته. وصل منزله الذي ورثه أبوه عن جده والموجود في أحد أطراف شيكاغو الشمالية منهكاً بعد عناء يوم طويل. جلس يقرأ مقالاً في الصحيفة عن انخفاض مستوى الشفافية وارتفاع معدلات الفساد في البلاد العربية والإسلامية. راح يفكر في الاسم الذي يسمعه لأول مرة.. «الإسلام!».