يصف المؤرخ (وليم كريغ) الوضع في ستالينجراد في ظروف الحرب الكونية على الشكل التالي: (الحق أن مأساة بشرية ذات أبعاد ضخمة، كانت تحاك خيوطها على ضفاف الفولجا)، وفي معمعة الدم في ساحة المدينة تناثرت الجثث فوق الأعشاب والأرصفة، وسالت عصارة البندورة المتعفنة والبطيخ الأحمر مختلطاً بالدماء وأشلاء الضحايا. وعلى ضفاف الفولجا كانت الطائرات تقصف دون راحة واستراحة. كان كل من يحاول الهرب من الجنود يقوم المفوضون الشيوعيون بقتله حيثما توجه، ولو كان من نار النازيين! وفي داخل المستودعات تشابك الروس والألمان بالأيدي والقنابل والسكاكين والخناجر والأسلحة البيضاء كيفما اتفق مما أخجل فصيلة السنوريات ودببة القطب. كان القتال يدور في درجة حرارة 40 تحت الصفر، ودار القتال من سرداب إلى سرداب، ومن مخبأ إلى مخبأ، واستحال المخزن مستودعاً للجثث؛ فتصالحوا في الموت. وفي أقل من شهر خسر الجيش الروسي الثاني ثمانين ألف قتيل. وفي رسالة وجهها الكولونيل (هربرت ميلي) رئيس كتائب الرواد البواسل الألمانية إلى عائلته، بعد أن خسر في أيام قليلة ثلث عناصره ذبحاً: (إن دموعاً كثيرة ستنهمر في ألمانيا. طوبى لمن ليس مسؤولاً عن هذه التضحيات غير المبررة). كان الجنود في المخابئ يأكلون الفئران حفاظاً على حياتهم، كما كانت تتغذى الجرذان على الأصابع الميتة، التي جمدها الصقيع فكانت الأقدام تقضم وهم لا يشعرون. نسي الألمان وهم في غمرة الفزع الأكبر في جو الحرب والضرب صراعه ضد القمل؛ فقد ملأت تلك الحشرات الرمادية السراديب، وغطت الجنود من رؤوسهم حتى أقدامهم وجرتهم إلى شفير الجنون. وفي سراديب كثيرة سعى الجنود إلى مسدساتهم وأفرغوا رصاصها في صدوغهم، وانتقل القمل إلى أجساد دافئة ما زالت الحياة تسري فيها. وفي الحامية العسكرية اضطجع ثلاثة آلاف جريح تحت رحمة ريح جليدية، وفي غياب العقاقير وضع الأطباء المرضى الأسوء حالاً في البرد كي يموتوا أولاً. كانت جثث القتلى تطوق المبنى إلى ارتفاع مترين، وكان الجنود يحصلون طعامهم مقابل حمل الجثث ورصفها فوق بعض مثل البلوك. كتب (فون باولوس) قائد الجيش السادس يستغيث: (إننا نتكلم من عالم غير عالمكم. نتكلم من عالم الأموات. إن وجودنا منذ الآن سيكون في كتب التاريخ فقط). وهو ما صار فنحن نكتب عنه وعنهم!! وفي خمسة أشهر من القتال تحول 99% من المدينة ركاماً، وتهدم 41 ألف منزل، و300 مصنع، و113 مدرسة ومستشفى. أما الضريبة البشرية فكانت الأفدح إذ بلغت مليونين من الأنام.