أكتشف وأنا أستمع لكل الأغاني التي جمعتها بانتقائية تامة خلال الأربع سنوات الأخيرة أن أحدث هذه الأغاني من إنتاج سنة ألفين ميلادية. وإذا استثنيت الأغاني غير السعودية كانت النتيجة محبطة أكثر، إذ إن سنة الإنتاج تتراجع لما قبل الألفين بسنوات وهذا ما يجعل علامات الاستفهام في رأسي تتكاثر حول مرض ووفاة الأغنية السعودية والأسباب التي أدّت إلى ذلك. أعلم يقيناً أن السبب الرئيسي هو سعي الفنان المضني خلف المادة، لكنني سأتجاوز يقيني هذا إلى محاولة فهم الأغنية نفسها وسبر أغوار تحولاتها إلى ما قبل وفاتها. أثّرت الحركة الفنية في مصر في السنوات البعيدة الماضية على مستوى الأغنية السعودية التي كان أبرز ممثليها آنذاك طلال مداح رحمه الله ومحمد عبده، حيث خلق هذا التأثير مناخاً صحياً للأغنية حينذاك كي تتطور وتخرج من عباءة الفلكلور والتقليد، والجميل في تلك المرحلة أنها خرجت فعلاً من تلك العباءة دون أي تدخل خارجي.. وأعني بذلك ما يخصّ الكلمة واللحن، إذ إنها كانت صناعة سعودية بحتة ساهمت في تشكيل هوية الأغنية السعودية وإعطائها شكلا مختلفا ومميزا عن السابق. استمرت هذه السنوات الرائعة في إنتاج عديد من الأعمال الخالدة والفنانين الذين كان لتنافسهم الأثر الإيجابي على مستوى الأغنية حتى وصلت إلى ذروتها في بداية التسعينات الميلادية قبل أن تبدأ هجرة بعض الفنانين إلى دول الخليج.. هذه الهجرة التي أفقدت الأغنية السعودية هويتها وهيبتها. إنني فقط أتساءل بعقل وقلب الإنسان البسيط.. لا أعتقد أننا نفتقد الإمكانات والأدوات التي من شأنها أن تعيد الأغنية لدينا إلى سابق عهدها، فبدر عبدالمحسن على سبيل المثال وسراج عمر ومحمد عبده لا يزالون على قيد الحياة والفن، لماذا إذن هذا الانحدار المستمر في الأغنية! هبوط الفن ونهضته مرتبط بشكل مباشر في حياة الأمم، قد لا أستغرب سوء ما وصلنا إليه لكنني أيضا لا أستطيع أن أخفي حزني وأسفي على حال الفن لدينا ومآله.