في كل ظهور إعلامي للفنان محمد عبده يتم تسليط الضوء على مسيرته كمطرب سجل حضورا غير عادي في الوسط الفني منذ اللحظات الأولى لبداياته، وتتناول حواراته الجانب الشخصي والوجه الآخر للطفولة البائسة التي عاشها، ويتغافل أو يغفل المذيعون سؤاله عن محمد عبده (الملحن) الذي قدم عددا من الأغاني (الطربية) التي لا ينساها الجمهور، هم يتحدثون عن نهر له ضفتان؛ يصافحون محمد عبده المغني وينسون مصافحة الملحن الجريء الذي يقف على الضفة الأخرى، وخاض أول محاولة لحنية في منتصف الستينيات الميلادية، وهولا يزال غض العود، ونصفها هنا بالجرأة، لأن عبده لحّن وهناك في الوسط عدد من الأسماء الموجودة التي كانت لها هيبتها، مثل الملحن طارق عبدالحكيم، عمر كدرس، سراج عمر، وعدنان خوج، وربما أي زلة من الفنان الشاب ستمنعه من أي مجازفة لحنية أخرى، ولكن النجاح الكبير دفعه للمواصلة لتشكل فيما بعد الأغاني التي لحّنها مرحلة من أهم المراحل في مسيرته الفنية، وكان يدرك جيدا أن هناك فضاء للتحليق في صوته لن يكتشفه سواه عبر ألحان تشفي الغليل.. أغنيتان في عامين في عام 1965 وبعد خمس سنوات من دخوله الوسط الفني لحّن أغنية (يابو شعر ثاير) من كلمات الأمير عبدالله الفيصل، ونجاح هذه الأغنية التي تفاعل معها الجمهور آنذاك على مسرح التلفزيون، دفعه لخوض التلحين مرة أخرى مع الشاعر إبراهيم خفاجي في أغنية (الرمش الطويل)، هذه الأغنية كانت تنبئ بأن ملحنها لديه نبوغ وذكاء مبكر، وقادم ليغير المراكز في الأغنية السعودية. تشرّب التجربة ثقة البدايات التي اكتسبها كملحن جعلت الفنان ذا الجسد النحيل يتعامل مع نصوص كبار الشعراء في الأغنية السعودية، بحس لحني موسيقي عالٍ، يتضح من خلاله أنه كفنان استفاد كثيرا من لقاءاته الفنية بمدارس الألحان الشرقية في مصر آنذاك مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب والموجي والسنباطي، وتشرّب قوالب الموسيقى الشرقية، ورغم أن الجلوس مع عمالقة طرب من العيار الثقيل كان سيدفع أي شاب في سنه إلى انتهاج اللون الغنائي السائد في مصر، ولكن الهم الذي (يقرقع) في صدره عن الأغنية السعودية كان يشعره كفنان بأهمية المرحلة والرسالة التي يحملها، ورغم أن محمد عبده كان يلتقيهم ليتعلم منهم، إلا أنه لم يتعامل معهم كمعجب إطلاقا، ولو أعدنا الذاكرة إلى حواره الشهير في برنامج (العرّاب) سنجد أن عبده ذكر أنه تندّم على مكابرته في عدم التصوير مع نجوم الوسط آنذاك، وتحاشى أن يطلبهم صورة للذكرى حتى لا يكون أمامهم صغيرا ومعجبا عابرا، وكان دارجا في الوسط أن (الصغير يطلب من الكبير صورة)، وبلا شك وإن كانت مكابرة، إلا أنها بينت أن عبده غيور وذكي وباحث عن النجاح منذ البدايات واستطاع أن يرسم لنفسه هيبة. ثقافة عبده الموسيقية وثقته جعلته يتصدى لتلحين عدد من النصوص، التي صارت مطلبا رئيسيا في حفلاته، ولعل الجمهور المتابع لمشواره الفني يعلم أن ملحن (صوتك يناديني)، (الرسايل)، (أرفض المسافة)، (يا غالي الأثمان)، (مهما يقولون)، (جمرة غضى) و(أيوه) وقائمة طويلة من الأغاني لا بد أن يكون ملحنا لديه القدرة على الخروج عن المألوف في فترات، ويستطيع أن يسبق فناني المرحلة التي يعيشها، وبلا شك التنافس المعروف بينه وبين (صوت الأرض) طلال مداح أعطى جوا آخر للأغنية السعودية، وأشعل الحراك الفني وقسم الجمهور في فترة من الفترات إلى (عبداوي) و(طلالي). التجديد الموسيقي حب التجديد وهوس النجاحات الذي عاشه محمد عبده في بداياته، دفعه لإعادة توزيع الأغنية اليمنية (ضناني الشوق) موسيقيا، ولتُغنّى في اليمن باستخدام الآلات الموسيقية وذلك في احتفالات (اليوم الوطني) لليمن عام 1976، وحققت نجاحا كبيرا آنذاك، رغم أن الجمهور اليمني يستمتع بالأغنية اليمنية التقليدية باستخدام العود والإيقاع فقط، وأشاد بقدرته الفنان اليمني محمد مرشد ناجي (صاحب الأغنية الأصلي)، ولم تكن المرة الوحيدة التي استطاع من خلالها فنان العرب النجاح (موسيقيا) في اليمن فقد كررها في عام 2004 بأغنية (أحب صنعاء). نجاح لحن 2009 حصل ألبوم الفنان ماجد المهندس الأخير (اذكريني) على متابعة إعلامية كبيرة، ونال أصداء جيدة من الجمهور الذي كان حريصا على الأغنية التي حملت اسم الألبوم لأنها من ألحان الفنان محمد عبده، ونجحت الأغنية بعد التقاء سحر محمد عبده بشجن ماجد المهندس، بل إن نجاح (اذكريني) غطى على الأغاني الأخرى التي ضمها الألبوم. أغنية من ألحانه تتصدر محمد عبده رغم المشكلات التي تحيط به في بعض الفترات، إلا أنه يبقى الفنان الذي يستطيع أن يختلف عن الآخرين متى ما أراد، ويكفي أنه صاحب الحنجرة الستينية التي تغني في بعض الحفلات ثماني ساعات دون توقف أو تلميح للآخرين عن بوادر تعب، ومن جميل المصادفة عنه ك(ملحن) أنه رغم الكم الكبير الذي يضمه موقعه الإلكتروني من أغاني حفلات وألبومات وتعاونات مع أشهر الملحنين في الوطن العربي، إلا أن أكثر أغنية (تحميلا) من مرتادي الموقع الذي يتوزع زواره على مختلف دول العالم كانت رائعة الأمير خالد الفيصل (أواه من قلب) والتي كانت من ألحان فنان العرب محمد عبده، وهذا دليل ومؤشر على أن محمد عبده ليس فنانا للعرب فحسب بل أيضا (ملحن العرب)، هذا إذا ما كان في الأساس اللقب الأول يندرج تحته كل ما له علاقة بالفن.