منذ اليوم الأول الذي انتشر فيه خبر تعرض فنان العرب محمد عبده لوعكة صحية، ورغم مرور فترة طويلة، وتماثله للشفاء التام، سرى في الوسط الفني استفهام قد لا يروق لبعض محبي الأستاذ محمد عبده، لكنه سؤال مشروع يبحث عن (البديل) الذي من الممكن أن يكون فنان السعودية - على الأقل - بعد فنان العرب الذي نرجو من الله العلي القدير أن يمتعه بالصحة والعافية. حين تُوفِّي الفنان الراحل طلال مداح - رحمه الله - على مسرح المفتاحة في أبها لم تتأثر كثيراً الساحة الفنية رغم أهميته، بوصفه فناناً لامست شهرته أرجاء الوطني العربي كافة، لكنها لم تتأثر في (لعبة الكراسي)؛ فقد لقي طلال مداح ربه في وقت كان فيه فنان العرب الأستاذ محمد عبده (متسيِّداً) الساحة الفنية منذ منتصف الثمانينيات، إلى جانب تراجع طلال مداح من خلال الحضور الفني بأصنافه كافة. لكن اليوم الوضع مختلف (تماماً)، وخصوصاً أن فنان العرب ترك مسافة شاسعة بينه وبين زملائه الفنانين في طريق (فني) لم يسلكه غيره؛ ولذلك لا مانع من استعراض أبرز فناني السعودية عبر رؤية سريعة، فيما ترتيبهم لاحقاً في العرض قد (يعني) شيئاً. عبادي الجوهر هو أقرب الفنانين للطريقة الفنية التي ينتهجها فنان العرب، سواء من ناحية اختيار الكلمة أو اللحن أو (الهدوء الفني)، أضف إلى ذلك أنه يمتلك قاعدة جماهيرية تواكبه مع التقدم في العمر. عبادي الجوهر الأقرب لفنان العرب من ناحية (السن)، لكنه يعاني ندرة في الحضور في المحافل الغنائية، وخطواته (بطيئة) جداً، لا تتناسب مطلقاً مع مكانته الفنية، وربما هو لا يشعر بتلك الأهمية، لكنه حتماً يشعر بهذا البطء الذي قد يكون خارجاً عن إرادته. عبادي الجوهر يمتلك كل مقومات الفنان (الريادي)، بل له تاريخ فني وزمني يشفع له بأن يكون واحداً ممن يمسكون بتلابيب الساحة الفنية السعودية، إن هو ساعد على تخطي مرحلة (الانزواء) والتحرك بسرعة أكبر، وهو الفنان الذي بيده كل الأدوات والإمكانات. راشد الماجد يمتلك راشد الماجد مساحة جماهيرية شاسعة في أنحاء الوطن العربي كافة، وربما هو الفنان السعودي الوحيد اليوم الذي تُغنَّى أغانيه، ويتلقفها الجمهور في السعودية والخليج وبلاد الشام ومصر. لكن راشد الماجد يعاني من قاعدته الجماهيرية، التي تتمثل في جيل الشباب (الأصغر)، الذي يغادرونه بعد مرحلة سنية معينة، إضافة إلى أن راشد الماجد له خط فني ربما يمنعه من الوصول إلى (سدة) الساحة الفنية إلا متأخراً. راشد الماجد فنان ذكي، وذكي جداً، ويستطيع الوصول إلى مبتغاه متى أراد، وله تاريخ فني (شافع)، لكن الريادة بحسب مفهوم الجمهور السعودي هي في الأغاني (الهوية)، وليست نجاحات الأغنية مقياساً واضحاً في تسلُّم الريادة مهما انتشرت الأغنية. رابح صقر واحد من أبرز فناني جيل الوسط السعودي. ويمتاز رابح صقر ب(انفجار) ملحوظ في جماهيريته خلال السنوات الثلاث الماضية، وجمهوره أيضاً من جيل الشباب، وهو يقارع فنان العرب في الحضور الفني في الحفلات والإنتاج، لكنه لا يطرق أبداً باب الأغنية (المكبلهة)، ويحرص كثيراً على الأغاني التي ترسخ في ذهن (الجماهير) ذات الإيقاع الراقص، فيما يعد من أبرز المطربين الذين يلحنون لأنفسهم، ويفهم كثيراً في التوزيع الموسيقي حتى أصبحت له بصمة واضحة في ذلك. عبدالمجيد عبدالله لا عجب إن قلنا إن عبدالمجيد عبدالله هو أجمل صوت عربي، لكن هذا الجمال في الصوت ليس دليلاً على التقدم إذا كانت هناك عوامل (محبطة) لهذا الصوت، مثل حالة الاختفاء الشديدة واللعب على وتر الأغاني المنفردة والتسريبات، ورفض كل عروض المهرجانات الغنائية بحجج قد لا تكون مقنعة للجمهور ويقتنع بها عبدالمجيد وحده. يعاني عبدالمجيد عبدالله من عدم وجود قاعدة جماهيرية (تحفّه)، وأغلب جمهوره من (المحايدين) الذين يميلون إلى صوته ويحبون غيره، لكن عبدالمجيد (المتمكن) له من التاريخ الفني ما يجعله واحداً من أبرز الذين قدمت لهم فرصة (التقدم) ورفضها بسبب ما يراه مناسباً عكس تيار الساحة. عبدالمجيد عبدالله يعشقه (صوتاً) الجمهور العربي، لكن رغم ذلك لا ينتظر ظهوره المنقطع بين فترة وأخرى، بل إن الجمهور يبحث عن الفنان الموجود معه دوماً في مناسباته، ونكرر بأن الساحة السعودية كسبت في يوم من الأيام أجمل أصواتها، ولا تود أن تخسره لأسباب قد لا تقتنع بها.