إن عملية التأليف من الأمور الشاقة والمرهقة عند أولئك الذين يتحرون الأمانة في النقل، ويحرصون على الدقة في القول، ولكن البعض يستسهلها بل يتساهل فيها لدرجة أنه يكون كحاطب ليل – كما يقول المثل الشهير – فلا يوفق للنقل الصحيح، ولا يهتدي للقول السديد – عدا ما يعتري عمله من الفوضى التي تنفر القارئ -، ويعتقد بعض أولئك أن كثرة التأليف دليل تميز ومجال للشهرة، بينما ينظر آخرون إلى المكاسب المادية العاجلة من ذلك الإنتاج فقط، ولا أدري إن كان بعض هؤلاء الكتاب قد تأثر بأهل الفن من الممثلين والمغنين الذي يحرصون على أن يكون لهم وجود دائم في الساحة الفنية – كما يسمونها – كي لا ينساهم جمهورهم حتى وإن كانت بعض أعمالهم رديئة أو تافهة. ملأت الإعلانات عن الكتب الحديثة فضاء مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها – منذ أكثر من شهر -، وساهمت دور النشر وملاكها في هذه الدعاية التي يتوقعون أنها ستسهم في زيادة كميات البيع لمطبوعاتها في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي انطلق في منتصف هذا الأسبوع بتنظيم سنوي من وزارة الثقافة والإعلام، وقد جاء المعرض بعد أيام قليلة من اختتام فعاليات المهرجان الوطني للثقافة والتراث في الجنادرية الذي تنظمه وزارة الحرس الوطني، ويزداد – في كل عام – تطورا وحسن تنظيم تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – الذي رعى هذا المهرجان منذ سنته الأولى قبل ثلاثة عقود. ساهمت كثرة التأليف في بروز عدد من دور النشر غير المؤهلة التي يخرج الكتاب من بين أيدي خبرائها وهو مليء بالأخطاء اللغوية والإملائية – عدا ما يعتريه من أمور فنية متعددة – لعجزها عن إظهاره بالصورة المناسبة. تم الإعلان – من خلال تغريدة – قبل أيام عن أحد الكتب التي سيتم عرضها في إحدى دور النشر، ووضع مؤلفه صورة لغلافه، وكان في عنوانه الرئيس خطأ لغوي فادح لا يقع فيه طالب في نهاية المرحلة الابتدائية، وقد نبهته حينها إلى فداحة الخطأ من أجل تداركه، لكنه علق على ذلك بقوله إنه سيقوم بتصحيح الخطأ في الطبعة الثانية من الكتاب؛ لأن الوقت ضيق قبل بدء معرض الكتاب – كما فهمت من كلامه – الذي يحرص على ألا يتأخر عنه كتابه رغم ما به من بلاء سيلاحقه طيلة حياته، ويسيء إليه إن استطاع أن يؤلف كتاباً آخر. إن كتب الأنساب من أسوأ ما تم تأليفه – في نظري – وخاصة التي ألفها أناس بعيدون عن المعرفة المبنية على الدراية الواسعة والمعايشة، وفهم اللهجات، ومعرفة العادات والتقاليد، ولذلك جاءت مؤلفاتهم في صورة رديئة، وبعيدة عن الواقع، ومليئة بالأخطاء الكبيرة؛ لأنهم لم يبذلوا فيها جهداً حقيقياً، ويزيد الأمر سوءاً عمليات النقل عنها باعتبارها مصادر حقيقية، فتتكرر الأخطاء وتزداد، وتنتشر بشكل أكبر مع تضاؤل المعرفة بين الأجيال المتأخرة في شأن الأنساب، وندرة العارفين من كبار السن مع تعاقب السنين. من بين تلك الكتب على سبيل المثال لا الحصر «قلب الجزيرة العربية» لمؤلفه فؤاد حمزة الذي بالغ بشكل كبير في امتداح عمله في المقدمة التي سطرها في صفحتين، ولا يعفيه – رحمه الله – من التقصير الاعترافُ بأنه لم يكن لديه الوقت الكافي للتأليف؛ بسبب مهام منصبه، وكثرة مشاغله، وأن الأخطاء الكثيرة التي وردت في الكتاب كانت بسبب بعده عن محل الطبع. توقفت منذ سنوات عند هذا الكتاب – وتحديدا عند ما كتبه المؤلف عن نسب قبيلتي وبيان فروعها – فوجدت العجب العجاب – كما يقولون – من الأخطاء الفادحة، والخلط الشديد، والتحريف الكثير في الأسماء التي يتعذر معها الاستمرار في تصفحه، ولا يقل كتاب أحمد وصفي زكريا «عشائر الشام» عنه في سوء التأليف، ويأتي عبدالرحمن المغيري بثالثة الأثافي في كتابه «المنتخب» الذي حققه د. إبراهيم الزيد؛ إذ وردت فيه أخطاء لو قُرئت على أحد كبار السن لرماه في الموقد. لقد فات على الأربعة – في دارة الملك عبدالعزيز – الذين قاموا بأعمال المراجعة والتدقيق والتعليق على كتاب فيلبي «قلب الجزيرة العربية» بعض الأخطاء في الأسماء، وليتهم تجاهلوا بذكاء انطباعاته السيئة عن أحد رفاق رحلته! وقفة: إن معرض الرياض الدولي للكتاب مهرجان ثقافي كبير يليق بمدينة الرياض؛ لما يقدمه للقارئ من فرصة كبيرة من خلال دور النشر العالمية التي تشارك في أروقته، ولما يتخلله من أنشطة ثقافية كبيرة ومهمة ترعاها وزارة الثقافة والإعلام، ويشارك فيها عدد كبير من المفكرين والمثقفين.