إن ما تتجاذبه الصحف ووسائل الإعلام والرأي العام في الجزائر عما يعرفه الصراع حول كرسي قصر المرادية من تأويلات وتكهنات وردود فعل متباينة، لم يُنهِه خروج رئيس لجنة تحضير الانتخابات المقبلة ومدير حملة الانتخابات لبوتفليقة عامي 2004 و2009، والوزير الأول الحالي، عبدالمالك سلال للإعلان عن ترشح رئيسه عبدالعزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 17 إبريل المقبل. ففوز الرئيس مرشح الحزب الحاكم بعهدة رابعة، بدأت بوادر تأكده، فور تعيين مَنْ وضعه منصبه ومرض بوتفليقة في مرتبة الرجل الأقوى في الجزائر، على رأس لجنة تحضير انتخابات إبريل المقبل، فأعطاه المتتبعون آنذاك حظوظاً وفيرة لخلافة بوتفليقة وإمكانية أن يكون عبدالمالك سلال مرشح الحزب الحاكم البديل، خصوصاً بعدما نقل له الرئيس خلال فترة مرضه جزءاً كبيراً من سلطاته، فأصبح فوزه يقيناً بعد تعيين عمارة بن يونس وزير الصناعة الحالي ورئيس الحركة الشعبية الجزائرية مديراً لحملة بوتفليقة. لكن تضارب الأنباء حول الحالة الصحية للرئيس وعدم ظهوره في المناسبات الرسمية وغير الرسمية كما اعتاد عليه في السابق رغم إصابته بالوعكات الصحية السابقة للإعلان عن إصابته بجلطة في الدماغ في 27 إبريل 2013، ونقله إلى العلاج بفرنسا، حيث أقام في المستشفى العسكري، وبعده في مصحة تابعة للجيش متخصصة في التأهيل الوظيفي، لمدة 82 يوماً، فتح المجال أمام إمكانية انسحاب بوتفليقة في آخر لحظة خوفاً من إمكانية تفعيل المادة 88 من الدستور، التي تقول إنه إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، فيجب على المجلس الدستوري أن يتثبت من حقيقة هذا المانع ويقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع. كما أن هذا الصمت المطبق، فتح المجال أيضاً إلى جانب تأخر الإعلان عن ترشح بوتفليقة، بعد الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، أمام التزاحم والتدافع نحو الرئاسيات من طرف موالين للرئيس وغيرهم وتحذيرات من مغبة تحضير الأرضية لولاية رابعة، فطفا على السطح، بعدئذ، ما أسمته بعض وسائل الإعلام بالصراع في أعلى هرم السلطة بين الرئاسة وجزء من العسكر ممثلاً في مديرية الاستعلامات والأمن، وهو ما سارعت الرسائل الرئاسية إلى نفيه، فظهرت تهديدات تذكّر بسنوات العنف الأعمى والتجربة المريرة مع الفوضى والإرهاب، التي عرفتها الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، تكبح زمام كل مَنْ سولت له نفسه الحلم بالسير بالبلاد نحو التغيير، ومناوشات على الحدود المغربية، لصنع عدو افتراضي للشعب وإيهامه بخطر خارجي محدق ببلاده، لتوجيه انتباهه نحو ما يتربص بالجزائر من الخارج وإلهائه عن اللعبة المحبوكة في الداخل. فهل ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة رغم كل هذا وذاك، ناتج عن إصراره على التشبث بكرسي الرئاسة؟ أم أنه صفقة يراد بها تجنيب عسكر الجزائر والبلاد خطر الانشقاق؟ وتهدف إلى تفادي الصدام بين أطرافه وتسمح باستمرار النظام وتقيه من الانفجار الداخلي، وبالتالي المحافظة على ماء وجه الجميع ومصالحهم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حكم بوتفليقة مازال قادراً على ضمان استمرار مصالح العسكر في الجزائر؟ وهل سيستطيع أن ينال الدعم الشعبي في ظل التغيير الحاصل على الحدود الجزائرية جنوباً في مالي، والتوجه العام الذي تعرفه المنطقة بقيادة المغرب نحو الوحدة الاقتصادية والاستقرار بين البلدان بدل مساندة الانفصال والتشرذم وزرع الفتن؟