«نصائح إلى ثوار أوكرانيا من ثوار سوريا» صفحة أنشأها شباب سوريون على الفيسبوك منذ أول يوم للاحتجاجات في أوكرانيا وشارك بها الآلاف خلال أقل من يومين، الصفحة التي تتضح السخرية من عنوانها حملت ما هو أكثر عمقاً من السخرية وأبلغ دلالة على ما وصلت إليه حال الثورة السورية وحال سوريا، إذ استطاع المشاركون في الصفحة اختزال كل ما حدث في سوريا خلال ثلاثة أعوام عبر بوستات قصيرة ساخرة على شكل نصائح موجهة للأوكرانيين واختزال معاناة السوريين مع النظام ومع المعارضة ومع التسليح ومع المتطرفين ومع الإعلام ومع المجتمع الدولي ومع شركائهم في الوطن ومع العرب ومع اليسار ومع اليمين ومع الصامتين ومع المثقفين ومع أدعياء الدين ومع الطائفية ومع المناطقية ومع الطبقية ومع السياسة ومع الدين ومع لصوص الثورة ومع متسلقيها ومع المتاجرين بها والمتاجرين بدم السوريين وبأحلامهم وبآلامهم. باختصار شكلت هذه الصفحة ما يشبه توثيقاً جماعياً لأحداث الثورة السورية بدون دراية أو عمد، وبأسلوب ساخر يختزن في داخله ما يكفي من المرارة التي أصبحت النكهة السورية اليومية، ولعل السخرية من كل شيء هي ما تبقى للسوريين كي ينتبهوا أنهم ما زالوا على قيد الحياة، يقول (ألفرد أدلر) وهو معالج نفسي وأحد تلامذة فرويد معرفاً السخرية «هي خليط من انفعالين هما الغضب والاشمئزاز: فنحن إذ تثور فينا غريزة النفور نشمئز، فنلجأ إلى السخرية مما بعث اشمئزازنا أو ممن أثاره في نفوسنا. ولا يخلو هذا من عنصر الزهو، لأننا ننزع إلى الرضا عن أنفسنا والاسترواح إلى شعورنا، عقب مطاوعة السخرية والانسياق معها «وفي إحالة تعريف أدلر للسخرية إلى حال السوريين يبدو جلياً أن ما حدث من حرب شعواء ضد الثورة وتحويلها من ثورة للكرامة إلى مايشبه الحرب الأهلية وانجرار كثير من المنحازين لها إلى مستنقع الطائفية والمذهبية والمتاجرة بالثورة في مزادات سياسة المصالح الدولية ومسؤولية الجميع من نظام ومعارضة سياسية ودافعي المال السياسي والقابضين لهذا المال عن هذا الخراب المعمم الذي يكاد يعيد سوريا إلى مجاهل التاريخ البشري، أصاب السوريين بالاشمئزاز من كل ما يحدث وأصابهم بالإحباط والعجز وعدم التصديق وبالملل ربما والأهم بالغضب مما وصلت إليه حال سوريا وبالخوف من المستقبل الذي بات مجهولاً تماماً، فلجأوا إلى السخرية من واقعهم وحالهم للتخفيف من هذا الغضب أو لدفع أثره المدمر عن ذواتهم، فوجدوا في انتفاضة الأوكرانيين مجالاً للتعبير عن هذا الغضب عبر السخرية، خصوصاً أن خلف الحكومة الأوكرانية تقف روسيا ذات الدولة التي تقف وراء النظام السوري، ثمة تشابه ما إذن بين الحالتين جعل السوريين يتذكرون تفاصيل ثورتهم ويتحسرون عليها ويوجهون نصائح للأوكرانيين كي لا يقعوا في نفس الأخطاء التي وقع فيها السوريون، يدركون أن الأوكرانيين لن يقرأوا ما يكتبه السوريون لهم ولن ينتبهوا إليه، يدركون أن ما يفعلونه ليس أكثر من محاولات للتخلص من كل هذا القهر والغضب الذي أصابهم ويصيبهم يومياً، يدركون كل ذلك لكنهم يتمسكون بكل حدث يستطيعون عبره أن يشهروا ما بهم ويدونوه ويعمموه ويتشاركوه مع بعضهم ومع آخرين، تلك إحدى محاولاتهم اليومية للعيش، كي لا يستبد الغضب والقهر بهم كي لا يتمكن منهم الموت الذي يتدفق على حياتهم من كل جانب.