طالما أكدت المملكة عبر تاريخها السياسي والحضاري على ثوابت أساسية نابعة من قيم الدين الإسلامي وأخلاقه، ورسَّخت المملكة علاقاتها السياسية مع محيطها العربي والإقليمي والدولي على أسس الحق والتسامح، مُؤسِّسة لسياسة معتدلة تبتعد كلياً عن الانخراط في الصراعات مهما كان طابعها، وفي ذات الوقت عملت وصبَّت جهودها في خدمة الأمن والسلام الدوليين. السفير عبدالله المعلمي تحدث أمس أمام مجلس الأمن معبِّراً عن روح موقف المملكة الذي استمر من عهد المؤسس الملك عبدالعزيز إلى الآن بأن «صون الدماء مُقدَّمٌ على الانتقام، وأن العدالة يمكن أن تتحقق بالعفو والتسامح دون الانتقاص من الواقع التاريخي». وقال المعلمي «إن هذا المبدأ عززه الملك عبدالعزيز في مسيرته التوحيدية للبلاد». ليؤكد أن حل الصراعات لا يمكن أن يتم دون معالجة الجذور الأساسية للصراع، لأن تجاوز هذه الجذور والأسباب والخلفيات سيعيد الصراع إلى الانفجار من جديد. والمملكة طالما سعت وبذلت جهودها في حل الصراعات بين الدول والشعوب بالطرق السلمية، وطالما قدَّمت الحلول والمبادرات لأجل ذلك، ولها تاريخ طويل في هذا الجانب سواء كان من خلال وجودها ضمن المنظمات الدولية والإقليمية أو عبر مبادراتها الفردية، وفي قضايا استعصت على الحل، كما في مشاركتها في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت أكثر من خمسة عشر عاما، ومن الطائف في المملكة انطلق اللبنانيون في إعادة بناء بلدهم. قدمت المملكة عديداً من المبادرات، ومنها مبادرة السلام العربية التي سعت إلى تحقيق سلام عادل وشامل بين سلطات الاحتلال الإسرائيلية والدول العربية، وهذه المبادرة تعدُّ أنموذجاً لحل أهم الصراعات في العالم والشرق الأوسط الذي قارب عمره المائة عام، وأكدت المبادرة على ضرورة قيام الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من يونيو 1967م وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وفقاً لقرارات الأممالمتحدة وعدم المساس بالسيادة الكاملة لدولة فلسطين، كما رمت المملكة بكل ثقلها السياسي والاقتصادي للحفاظ على استقرار المنطقة عقب ما عُرف بثورات الربيع العربي، خاصة في اليمن، وساهمت بجهود كبيرة لتأمين انتقال سلمي للسلطة وهو ما حدث بالفعل، إضافة إلى ما بذلته من أجل مصر وما تقوم به من جهود لأجل إحلال السلام في سوريا. تحقيق السلام والوئام بين الشعوب ليس مهمة سهلة، لكنها ليست بالمستحيلة طالما انطلقت من قيم العدالة والعفو والتسامح والإقرار بحقوق الآخرين وطالما وُجِدت النيات لأجل ذلك.