يمثل الإبداع إحدى الضرورات الأساسية للتطور والتقدم لأي مجتمع، فدونه يسير حال المجتمع على وتيرة واحدة تفضي مع الزمن إلى تراجعه خاصة مع التقدم والتطور الذي تحرزه المجتمعات الأخرى، ومع تنامي الحاجات والتحديات. ويحتاج الإبداع في مختلف المجالات إلى أجواء من الحرية كي يتمكن صانعوه من الانطلاق في آفاق ورحاب واسعة وغير محددة، أما في حال انعدام الحريات أو تقييدها فإنه لا يكون هناك مكان للإبداع. الأفراد المبدعون يمثِّلون العصب الرئيس لتقدم المجتمع، فهم من يساهمون في نقله من حالة راكدة إلى وضع تنافسي متجدد ومتطور، والمبدع عندما لا يجد له متسعاً من الحرية يكون أمام خيارين، إما قتل إبداعه أو الانتقال به إلى بيئة أخرى تتيح له مجالاً لإبرازه. توضع أحياناً قيود ضاغطة على الإنسان المبدع منها ما هو ثقافي أو اجتماعي أو سياسي، تجعل منه حبيس ذات أفكاره، وتُكبِّل إسهاماته الإبداعية وانطلاقته التفكيرية، ويؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى توقف المبدعين في المجتمع عن تقديم إنجازات جديدة وناجزة. في مجتمعنا نرى أن ممارسة الإبداع في تراجع ملحوظ، على الرغم من وجود طاقات شابة قادرة على العطاء، وكفاءات متحمسة للتجديد. وعديد من مبدعينا يقدمون إنجازات رائعة وهم في خارج دائرة مجتمعهم، وتحديداً في مواقع دراستهم أو عملهم في الخارج، أي في بيئات اجتماعية أخرى تهتم بالإبداع وتهيِّئ له فرصه المناسبة. إن السبب في ذلك يعود إلى أن بيئة الإبداع لدينا لا تزال مقيدة، ولا تدفع نحو تقديم كل ما هو جديد، أو تزيل المعوقات التي تحد من حركة الإبداع. فالتأليف والكتابة والنشر تواجهها كثير من المصاعب التي تحد من حرية طرح الأفكار وتناولها بصورة جادة وصريحة ومباشرة، والكاتب يتوقف عشرات المرات لإعادة صياغة آرائه وأفكاره حتى يمكن لها أن تُمرَّر وتنشر. الإنتاج الفني بكل أشكاله كالمسرح والسينما والرسم والنحت والتصوير أيضاً يواجه قيوداً كبيرة تحد من انطلاقة القائمين على هذه الفنون ويعيق حركتهم وإبداعاتهم، مما يجعل كثيرين منهم يحصدون جوائز إقليمية وعالمية بينما هم في وطنهم مغيبون. استغرب كثيرٌ من المثقفين والمهتمين بالفنون من صدور قرار نشرته الصحافة المحلية يمنع الفنادق وصالات الاحتفالات والأسواق التجارية من إقامة المعارض التشكيلية أو الفوتوجرافية، مشترطة أخذ موافقات رسمية لإقامة مثل هذه المعارض وضرورة إجازة الأعمال الفنية مسبقاً. وحسب التصريح، فإن الهدف من ذلك هو «إحكام الرقابة الميدانية فضلاً عن الحد من التجاوزات التي قد تحدث في هذه المعارض»، وهدَّد القرار بفرض عقوبات في حق المخالفين. من المؤكد أن مثل هذا الإجراء يصب في خانة التقليل من حرية الإبداع. علينا ألَّا نتباكى عندما تعرض إبداعات فنانينا في الخارج، ويتم هناك تكريمهم وتقدير أعمالهم، ويقوم إعلامنا بنشر أخبارهم فقط ، وهم يتمنون أن تساهم إبداعاتهم في تطوير مجتمعهم وتقدمه.