يبقى مصطلح الحرية في استخدامه الإبداعي؛ محاطاً بضبابية كثيفة وغير واضح المعالم ، باعتباره مفهوماً مطلقاً في الأصل ، وبخاصة عندما يكون مرتبطاً بإبداع لفظي أو لغوي ، وظل هذا المصطلح وما يتضمنه من دلالات مرهوناً بالحالة التعبيرية التي يعيشها الإبداع ومتعلّقاً ، إلى حد كبير، برؤية المبدع العامة وتطلّعه وحالته الاجتماعية والفكرية . ويتناول الفكر المعاصر، حسب الكاتب كريم الهزاع ، قضية " الحرية " من خلال التاريخ ، على أساس أن التاريخ يجسد أفعال الإنسانية في سعيها نحو التحقق. والصورة الأولى للحرية التي اقترنت بها في التاريخ ، هي الحرية بالمفهوم السياسي ، حيث استشعر الإنسان أنّ النظم الاقتصادية والسياسية تحدّ من أفعاله.. وامتد نفوذها إلى العلم والفن وأشكال الحياة المختلفة. وبدأت تثار علاقة السلطة بالحرية؛ فالسلطة تعمل على ثبات النظم الاجتماعية، بينما حرية الفرد تعمل على تغيير هذه النظم "، ويمكننا في الحديث عن الإبداع أن نقول أن السلطة السياسية في الحياة العامة والتي تواجهها حرية اجتماعية، تقابلها في العمل الإبداعي سلطة إبداعية كسلطة اللغة والفكر والثقافة والفلسفة، وهذه لا تفرض من قبل جهة محددة ولكن من عدة جهات ، كالقارئ والناقد والمجتمع ، وتتطلب مواجهة وتحدٍ من المبدع ليحقق حريته في ثورة إبداعية ومقبولة على النمطي والسائد من الإبداعات . والشاعر في معظم كتاباته والمبدع في تجلياته الإبداعية المختلفة يتوقان إلى صناعة فضاء تعبيري حر يكون إشارة عميقة على تجرّدهما من الانتماءات الفكرية وتحليقهما في سماء الحرية بعيداً عن التصنيف ، وربما يكون هذا هو أسمى ملامح الحرية لدى المبدعين ، الذين لا تعني لهم الحرية سوى التخلّص من قيود المادة وشروط العمل وإسقاطاته المعدّة سلفاً ، " فللحرية حدود هي بعينها شروطها. وهذه الحدود تمثل درجات مختلفة من الضرورة فالشاعر لابد أن يعرف قوانين اللغة التي يكتب بها، ليدرك أبعاد صراعه مع الضرورة ، وهذه عقبة لابد للإرادة أن تصطدم بها حتى تقف على معنى حريتها . ولكي نحقق الحرية لابد أن نعي أنّ الضرورة مرتبطة بالزمان ؛ فالحرية الإنسانية ليست حرية مطلقة ، بل تمر بمرحلة من الصراع والتناقض ، حتى تصل إلى مرحلة الوجود الضروري ، التي فيها يصبح اختيارها لذاتها مجرد تعبير زمني عن حقيقتها الأزلية " وهذا ما مرت به الفنون على اختلاف ملامحها وأدركه المبدعون الذين صاغوا أعمالهم بتطلّع نحو الحرية وتمسّك في المقابل بكينونة الشيء المراد التحرر من سلطته . ويمكنني القول: إن الحالة الإبداعية بحد ذاتها هي حالة من التحرر ونزوع مستمر إلى جعل الحياة أو العمل الإبداعي أكثر رحابة، حتى وإن كان ذلك في ذهن المبدع فقط ، وهي لا تعني أبداً السعى نحو الانفصال ، بل هي كما يرى سارتر تلاقٍ وانتقال وتبادل بين الداخل والخارج ، وحوار متصل مع الأشياء والآخرين !