لا نحتاج أن يذكرنا أحدهم يوم السابع عشر من شهر فبراير الشهر القادم، أنه في مثل هذا اليوم قد وضعت أول لبنة لحلم مغاربي مفقود، لأن الجميع أضحى يعلم أنه ولد وتأسس بمراكش المغربية، وأن هذا اليوم من هذه السنة سيمثل الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسه، كما لا نحتاج إلى التذكير، مرة أخرى، أن هذا التأسيس هو ثمرة لكل من لقاء إبريل سنة 1958 بطنجة بين زعماء الحركة الوطنية في كل من المغرب والجزائر وتونس، ولقاء شتنبر سنة 1964 لوزراء الاقتصاد والمالية في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ونتيجة للمؤتمر الخامس لوزراء الاقتصاد والمالية المنعقد في نوفبر 1967 بتونس، وجنينا لقمة زرالدة بين زعماء الدول الخمس للتحضير لتأسيس اتحاد المغرب العربي يوم 10 يونيو سنة 1988 ومولودا للقاء مراكش بين زعماء الدول الخمس، حيث تم توقيع معاهدة اتحاد المغرب العربي يوم 17 فبراير 1989؛ لأن الجميع قد حفظ الدرس. كما أن المجهودات المبذولة من طرف بعض الأعضاء ذوي النيات الحسنة، من قبيل استضافة المغرب الاجتماع المشترك لكبار الموظفين من دول الاتحاد المغاربي والاتحاد الأوروبي بمقر الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي بالرباط يومي 12 و13 سبتمبر الماضي لاستكمال مناقشة الوثيقة الصادرة عن المفوضية الأوروبية والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية حول دعم وتعزيز التعاون والاندماج المغاربي؛ بالإضافة إلى النقاش حول محتوى الوثيقة المذكورة وواقع وآفاق التعاون المغاربي الأوروبي وتقديم الجانب المغاربي للمحاور ذات الأولوية في المرحلة الأولى للتعاون بين الجانبين؛ لن يحقق أهدافه، مادامت كفة التعاون الأوروبي ما بين دوله هي الراجحة بالمقارنة مع مستوى تعاون الدول المغاربية فيما بينها. أما التعاون السياسي والتعاون الأمني و الارتقاء بقطاعات الفلاحة والتنمية الريفية، وحماية البيئة ومقاومة التصحر والتغيرات المناخية والاستثمار ودعم القطاع الخاص والصناعات المتوسطة والصغرى والتنمية الصناعية والبنية الأساسية وتأهيل الموارد البشرية والتشغيل والشباب؛ فلن يكون ممكناً ومجدياً في ظل أجواء التفرقة بين الدول المغاربية وغياب تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري وتنمية المبادلات بين الدول المغاربية والاهتمام بالتصنيع المتكامل فيما بينها عن طريق تنسيق السياسة التصنيعية وتوحيد السياسة الجمركية وضمان حرية تنقل الأشخاص والخدمات مما يضعف موقع المتفاوض المغاربي مع الاتحاد الأوروبي . ما تتوق إليه الشعوب المغاربية هو أن تقدم لها حصيلة تنفيذ مهام هياكل الاتحاد الإدارية و القرارات الفعلية المتخذة وفق خطة تنفيذية وبرنامج عمل واقعي يضمن تحقيق أهدافه. بعد عرضها على مجلس الشورى لإبداء الرأي فيها، وتفعيل الهيئة القضائية للفصل في المنازعات حول تطبيق المعاهدات، وتكثيف عقد مجالس وزراء الخارجية والأمانة العامة لتيسير عقد دورات مجلس الرئاسة. انتظر المتتبع والغيور على بلدان المنطقة المغاربية، أيضاً،أن يُحْسَم في إنهاء الصراع الإقليمي، الذي يعرفون جيداً أنه ناتج عن مصالح أفرزتها الحرب الباردة الذي شكّل فيه توظيف الصراع حول الصحراء المغربية المحور الرئيس للتحكم في الممرات المائية وتشكيل الأحلاف العسكرية، وزرع التفرقة بين دول الغرب الإسلامي وشرقه، أو لتحقيق مصالح أفراد يريدون استغلال التفرقة لتحقيق أغراض شخصية والاغتناء من وراء المساعدات الإنسانية الدولية، كان ينتظر أن يصبح سكان الأقطار المغاربية كما عهدهم التاريخ ينتقلون بحرية تامة، لا يفصلهم عن النقل والتنقل بينها أدنى حاجز، خصوصاً أن التاريخ يشهد أنه كان للحركات السكانية بينها أبلغ الأثر في التلاقح والامتزاج، والتأثير والتأثر، وانتظر أيضاً أن تحذو جميع الدول حذو المغرب الذي كان دوماً، ومازال، محط استقطاب للأفراد والجماعات منها، فقد سبق للتاريخ أن سجل بمداد الفخر والاعتزاز أروع الصفحات في تآزر المغرب مع شعب الجزائر، عندما لم يقف أهل المغرب عند حد التعبير عن العواطف الجياشة عند استقبالهم الأسر الجزائرية بعد هجرتها الكبرى على إثر الاحتلال الفرنسي لبلدها، بل قدم لهم المغاربة المساعدات المادية والمعنوية وحتى العسكرية، والبر بهم والعمل على تلبية مطالبهم وإعانتهم على الاستقرار والاستيطان بالمغرب. كان يجب أن تتحرك هذه الدول نحو الانفتاح على بعضها بعضاً لتفعيل الاتحاد واستثمار روابطها الإنسانية والروحية العريقة؛ فور صدور نتائج الدراسات الميدانية التي قامت بها بعض المراكز العالمية التي من أهمها مركز الدراسات والأبحاث الدولية بفرنسا بالتنسيق في المغرب مع مركز للدراسات المتوسطية، حيث اتضح أن 6 % فقط من المستجوبين اقتنعوا بأن صورة الاتحاد واضحة، بينما 84 % غير قادرين على ذكر إنجاز واحد للاتحاد، و67 % غير راضين على حصيلة الاتحاد، نفس الشيء عندما أنجزت نفس الدراسة بتنسيق مع مركز الدراسات الإستراتيجية الشاملة بالجزائر، حيث اتضح أن 70 % من الجزائريين المستجوبين غير مرتاحين وغير راضين عن تجربة الاتحاد، وصورة الاتحاد ليست واضحة للكل، و69 % غير قادرين على ذكر أي إنجاز حققه الاتحاد في مساره التكاملي؛ والاقتداء بالأنموذج المغربي الذي صنعه الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس، مساء الأربعاء 6 نوفمبر 2013، إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال 38 للمسيرة الخضراء، الذي عمق العلاقات المتميزة والروابط التي تجمع المغرب بدول إفريقيا جنوب الصحراء.