تدرس دول شمال أفريقيا صيغاً جديدة للتكامل الاقتصادي والتبادل التجاري والتعاون المالي، وصولاً إلى اندماج إقليمي ُيمكّن المنطقة المغاربية من تجاوز خلافاتها السياسية، ويعزز حضورها في منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. واتفق وزراء خارجية دول «اتحاد المغرب العربي» الخمس في اختتام الدورة 31 التي انتهت أمس في الرباط، على ربط التنسيق الأمني بالتكامل الاقتصادي والتعاون التنموي لأن «المشروع المغاربي ضرورة حتمية تفرضها التحولات والتحديات الداخلية والإقليمية في المجالات كافة، وهو بناء نحو المستقبل يستجيب لتطلعات الشعوب في الاندماج والتكامل والعيش الكريم، بشراكة مع منظمات المجتمع المدني». وأطلقت في الاجتماع دعوة إلى تجديد هياكل الاتحاد الذي عقد 41 اجتماعاً منذ إنشائه عام 1989 في مراكش، من دون أن يحقق أي تقدم ملموس بسبب الخلافات السياسية والموقف من قضية الصحراء. وانتُقدت المنظومة المغاربية القديمة وقيل إن «الربيع العربي» والتغيرات الحاصلة في دول المنطقة تجاوزتها، وهي باتت تحتاج اعتماد مقاربة شمولية واستراتيجية، تأخذ البعدين الأمني والتنموي في الاعتبار، ما يضمن الاستقرار السياسي الذي تطالب به الجزائر والازدهار الاقتصادي الذي يدعو إليه المغرب وتونس. وقال وزير خارجية تونس في تصريح إلى «الحياة»: «المصرف المغاربي للاستثمار سيرى النور قريباً بعد تجاوز بعض الترتيبات واتخاذ القرارات اللازمة لإطلاقه خلال الأشهر المقبلة وسيكون مقره تونس، ويصبح الأداة المالية للتعاون الاقتصادي وتمويل الاستثمارات المشتركة وتطوير التجارة بين دول الاتحاد». رأس مال المصرف ويقدر رأس المال المدفوع للمصرف ب500 مليون دولار، وقد يكون مفتوحاً لمساهمين مؤسساتيين من خارج المغرب العربي، منهم الاتحاد الأوروبي الذي قرر التعامل مع المنطقة على أنها تجمّع إقليمي. وقرر وزراء الخارجية إنشاء مجلس للسفراء المغاربيين في أوروبا لتنسيق المواقف، منها موضوع الجالية المغاربية التي تضم أكثر من ستة ملايين مقيم في دول الاتحاد الأوروبي. وستستضيف الجزائر الجولة الأولى من الحوار المغاربي - الأوروبي حول الجالية المهاجرة. كما سيطلق العمل في مشروع منطقة التبادل التجاري الحر بعد استكمال دراسات طالبت بها الجزائر التي تتفاوض أيضاً للانضمام إلى منظمة التجارة في جنيف. وقال الوزير المغربي المنتدب في الخارجية، يوسف العمراني «المنطقة المغاربية قادرة على خلق ثروات كبيرة لشعوبها إذا تجاوزت خلافاتها المفتعلة، واتجهت نحو التكامل في مجالات البنى التحتية والنقل البري والجوي والشحن البحري، والربط الكهربائي والطاقة والزراعة والصناعة والبحث العلمي وغيرها». وقدّر خسارة المنطقة بحوالى اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب تعطل التعاون الاقتصادي وضعف التجارة البينية التي لا تتجاوز ثلاثة في المئة، لافتاً إلى أن تعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة سيقلص حجم الخلافات السياسية، ويحسن مستوى معيشة السكان، ويضمن فرص عمل جديدة للشباب، ويسمح بحرية كبيرة لتنقل الأفراد والاستثمارات. ويتمثل إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب، حاجزاً أمام تطور التجارة وتنقل الأفراد. وكان صندوق النقد توقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي لدول المغرب العربي بحوالى الثلث خلال السنوات المقبلة ليقترب من 800 بليون دولار نهاية العقد الحالي، وأن تتراجع البطالة بين 7,5 و8 في المئة من الفئة النشيطة، وتتحسن معيشة السكان بتنامي الدخل الفردي الذي يقدّر بحوالى خمسة آلاف دولار في المتوسط، وسيكون الأعلى في ليبيا والأدنى في موريتانيا.