كنت أعتقد أن مشكلة «بيوت الصفيح» مقتصرة فقط في القرى النائية في المملكة، وعندما شاهدت «بيوت صفيح» في مواقع أخرى، أصابتني الدهشة، وتساءلت بيني وبين نفسي: أين الاهتمام بمثل هذه البيوت؟. إذا اتجهنا إلى البحث الديموغرافي للسكان والمساكن الذي أجرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عام 1427ه، يتبين لنا أن نسبة عدد المساكن التي يسكنها سعوديون وصل إلى 2.9 مليون مسكن، بينما عدد السكان السعوديين يتجاوز 20 مليون نسمة، وهذا يعني أن نسبة من يمتلكون مسكنا لا يتجاوز 20% من عدد السكان السعوديين، أي أن 80% من السكان ليس لديهم مسكن، وعندما نراجع الإحصائيات، نجد أن نسبة عدد الفلل تشكل 25.4% من هذه المساكن، وعدد البيوت الشعبية تشكل 27.9%، وعدد بيوت الصفيح تشكل 2.2%، وعندما نقارن الأرقام يتبين لنا أن البيوت الشعبية هي السائدة في المملكة، فهل سوف يتغير واقعنا في عام 1435ه؟!، وهل هنالك خطة مدروسة للقضاء على «بيوت الصفيح»؟! ما زلت أتذكر الفتاة مشاعل «بنت الصفيح» ذات ال15 ربيعاً (من هجرة الديدب شرق مدينة عرعر)، التي توفيت نتيجة تدهور صحتها بسبب البرد القارس. الجمعيات الخيرية لا تستطيع أن تحل المشكلة من جذورها، فالعاتق الكبير يقع على وزارتي الإسكان والمالية، اللتين يتحتم عليهما توفير الإسكان لذوي الدخل المحدود، وعليهما أن تضعا أولوية للأسر التي تقطن «بيوت الصفيح». ليس هنالك عذر لهما، في ظل توفر الخير في البلاد. لابد أن نبدأ بتشييد المدن السكنية مع وجود الميزانيات الضخمة، وإذا كان بناء المنازل مكلفا، فهنالك شركات أجنبية تبني المنازل بمبلغ 150 ألف ريال فقط، فالمواصفات القياسية التي رسمتها وزارة البلدية والقروية تعتبر غير مجدية في الوضع الراهن، فالبيوت التي تبنى تقليدية وغير اقتصادية. من هنا علينا أن نفكر كما فكرت البلدان الأخرى في القضاء على مشكلة السكن. لماذا لا نبني البيوت من الطين على الطراز القديم؟، باستطاعتنا بناء مدينة كاملة بالطين يتجاوز عدد المنازل فيها عشرة آلاف منزل بمبلغ لا يتجاوز مليار ريال، هنالك حلول كثيرة لدى كبار الاقتصاديين السعوديين، منها تخصيص وزارة الإسكان وتأسيس شركة عقارية وطنية تتكفل ببناء المدن السكنية للمواطنين بتكلفة جيدة ومدة قصيرة، وأعتقد أن «الصندوق الخيري الاجتماعي» لديه مال كثير، لكن ينقصه التخطيط السليم والكوادر الوطنية ذات الخبرة الاقتصادية بحيث تجعله صندوقا استثماريا يدير الفقر ولا يقوم برعايته فقط. نحن في أمس الحاجة حاليا للاستفادة من الموارد المالية في صناعة مشاريع حيوية تعود على المواطن بالنفع والاستقرار المعيشي. المواطن لا يرى على أرض الواقع، مشاريع تصب في مصلحته، فما يعنيه في الدرجة الأولى هو توفير المسكن المناسب الذي يحميه ويحمي عياله، ولو افترضنا أن كل مواطن يستطيع شراء أرض بمليون ريال، كيف سيستطيع بناءها بمليون آخر. هنا علينا التفكير بإيجاد بديل عقاري لبناء البيوت بطريقة مختلفة وغير مكلفة وسريعة التنفيذ، كالبناء بالطوب والرمل. ولكي نتحكم في أسعار الأراضي، أقترح إنشاء هيئة خاصة بالعقار والأراضي الوطنية، حتى تساهم في استقرار أسعارها، ووضع نظام يتحكم في امتلاكها وبيعها وشرائها والتحفظ عليها. ومن وجهة نظري البسيطة، أن على جميع المسؤولين وضع «ملف الإسكان» أولوية قصوى لمتابعته، وتنفيذ الأوامر الملكية السامية بهذا الخصوص، حيث إن الاستراتيجية التي وضعت منذ سنوات لحل أزمة السكن، لم تنجز مشاريعها، وعلقت مشكلتها على عدم توفر الأراضي. وأقول هنا إن باستطاعتنا بناء مدينة الرياض رقم (2) ومدينة جدة رقم (2) ومدينة الدمام رقم (2)، في ظل ما نمتلك من خير، وبوجود مساحات كبيرة من الأراضي البيضاء، وكما يتم تنفيذ مشروع قرية ترفيهية للتراث والإبل، بالإمكان تنفيذ مدينة للمواطنين.